نبذة عن الشيخ سماوي صالح بن الطالب عمر بيد تلميذه الشيخ الهادي الحسني :
تكريم العلماء والأساتذة عمل نبيل، يدل على نُبل المكرِّمين، وينبئ عن اعترافهم وتقديرهم لفضل أولئك المكرَّمين، خاصة عندما يكونون على قيد الحياة، يسعون بالخير ويدلّون عليه.. وأجمل تكريم ما يقوم به الشعب عن طريق جمعياته الثقافية والاجتماعية والدينية.
ومن التكريمات التي خلدّها التاريخ المعاصر في الجزائر، ذلك التكريم الذي خص به الشعبُ الجزائري المسلم عالِمين علَمين من أبنائه.
أما التكريم الأول فقد جرى في عام 1938 بمدينة قسنطينة تحت سمع الفرنسيين وبصرهم، وقد خص به الإمام عبد الحميد ابن باديس، بمناسبة ختمه تفسير كتاب الله – عز وجل – الذي أكرمه الله بإتمامه في ربع قرن.. وقد هُرع الخِيرة من الجزائريين جميعا وأشتاتا ليشهدوا ذلك الخير، وليعبِّروا عن أنبل مشاعرهم نحو ذلك “العملاق”، الذي لم يعش إلا للإسلام وللجزائر.. معاهدا الجزائريين أن يقضي بياضه عليهما كما قضى سواده..
الأستاذ اسماوي متعدد النشاط، فهو محاضر في المجالس، وواعظ في المساجد، وهو عضو في الهيآت الإباضية الأمّارة بالمعروف والنّهّاءة عن المنكر، كحلقة العزابة، ومجلس أمّي سعيد… وللأستاذ اسماوي إنتاج علمي قليل، ولكن قليله لا يقال له قليل.
وقد أبرّه الله – عز وجل – فثبّته عليهما إلى أن التحق بالرفيق الأعلى، لا مبدِّلا ولا مغيِّرا، ولا خائنا لدينه ووطنه.
وأما التكريم الثاني فقد تم بعد الأول بأربعين عاما ونيف، وقد طهرت الجزائر من الرجس الفرنسي..
لقد وقع هذا التكريم في مدينة القرارة في عام 1980، وكان المكرّم هو الإمام إبراهيم بيُّوض، وكان سبب التكريم هو ختمه تفسير القرآن الكريم، وقد خطت الأقدار في صحيفتي أن أحضر ذلك الحفل البهيج، وكأن الجزائريين الذين حضروا من جميع أنحاء الجزائر يعتذرون للإمام بيُّوض عما لحقه من الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله.. وصدق الأخ محمد صالح ناصر، القائل في مناسبة تكريم الإمام بيُّوض:
الله أكبر في رحاب الله كم يفنى القوي ويصغر الكبراء
وسواء أكان هذا القوي أو الكبير من أعدائنا أم من “بني جلدتنا” الذين أضلهم سامري العصر..
ومنذ عشرة أيام أقام كرام مدينة العطف – تاجنينت – بولاية غرداية حفلا لتكريم أستاذ فاضل، حقيق بكل تكريم، وجدير بكل احتفاء، أعني الأستاذ صالح عمر أسماوي. لقد تكرَّم إخواني في مدينة العطف فدعوني – مشكورين – لمشاركتهم حفل التكريم هذا، وقد وددت – علم الله – أن أكون من أول الحاضرين، وما منعني من ذلك إلا مانعٌ حبسني وحال دون ما وددت… ولا أرتاب في أن الأستاذ الفاضل وإخوتي البررة سيقبلون عذري، وكيف لا يقبلونه وهم “أهل العطف؟”.
تعود علاقتي بالأستاذ صالح اسماوي إلى عام 1964، حيث خطت الأقدار في صحيفتي أن أتشرَّف بالجلوس أمامه طلبا للعلم، وذلك في ثانوية عبان رمضان بحي المحمدية، بمدينة الجزائر..
لم يستمر تتلمذي على أستاذي إلا عاما دراسيا واحدا، ثم قدّر لي الله أن أغادر الثانوية في بعثةٍ إلى دولة الكويت الشقيقة، ولكن علاقتي لم تنقطع مع أستاذي إلى يوم الناس هذا.
ثلاثة أساتذة تأثرت بهم في ثانوية عبان رمضان، ولا أنساهم ما تردد نفَسٌ في صدري، وهم عبد الحفيظ بدري، رحمه الله، ومحمد الصالح الصديق، وصالح اسماوي، حفظهما الله، ومتعهما بالصحة والعافية.
لقد ظهر أثر هؤلاء الأساتذة الكرام في حياتي، فقد تأثرت بالأستاذين الأولين في المجال الأدبي، فهما اللذان حبّبا إليّ اللسان العربي الجميل، وتأثرت بالأستاذ الثالث – اسماوي- في مجال التاريخ، إذ كان أستاذي فيه.. كما تأثرت بهم في أخلاقهم العالية، وسلوكهم النبيل، والتديُّن السليم.. وما قيمة العلم إن لم يكن صاحبُه متوّجا بخلاق؟ فشكرا لأساتذتي الكرام، وإني ذاكرٌ فضلهم عليّ، وشاكر لهم ما أقلتني الغبراء، وأظلتني الزرقاء.
الأستاذ صالح من مواليد 1930 في بلدة العطف.. ومات والده وهو صغير، ولكنه غرس فيه بذرة الخير، التي صادفت نفسا خيّرة، فأنبتت نباتا طيبا.. فقد نشّأه أبوه على الإسلام الصحيح، وقوّم لسانه بالقرآن الكريم، ولهذا لم تؤثر فيه المدرسة الفرنسية التي سماها الشعب الجزائري “مدرسة الشيطان”، كما ذكر المؤرخ الفرنسي قي بيرفيللي (Guy Pervillé) في كتابه “الطلبة الجزائريون في الجامعة الفرنسية 1882-1962) وأتم تعليمه الثانوي في معهد الحياة بمدينة القرارة، وفي تونس. وقد نشط الشاب اسماوي في الكشافة الإسلامية الجزائرية، وفي الاتجاه العام للطلبة المسلمين الجزائريين ضمن جبهة التحرير التي أعطاها الشعب الجزائري آنذاك عهدا.
في سنة 1959 أرسلته الحكومة المؤقتة إلى العراق، فتخرج في دار المعلمين العالية، حيث درس التاريخ..
مع فجر استعادة الاستقلال عاد إلى الجزائر ليساهم في معركة “الجهاد العلمي”، تدريسا، وتأليفا، وتصحيحا لكتب التاريخ والجغرافيا.
والأستاذ اسماوي متعدد النشاط، فهو محاضر في المجالس، وواعظ في المساجد، وهو عضو في الهيآت الإباضية الأمّارة بالمعروف والنّهّاءة عن المنكر، كحلقة العزابة، ومجلس أمّي سعيد… وللأستاذ اسماوي إنتاج علمي قليل، ولكن قليله لا يقال له قليل، ولم ينشر منه – فيما أعلم – إلا رسالته القيّمة التي حصل بها على شهادة الماجستير، وهي تحت عنوان “العزابة ودورهم في المجتمع الإباضي بميزاب”. وهي في ثلاثة أجزاء، تجاوز عدد صفحاتها الألف ومائتي صفحة.. من غير المصادر والمراجع والفهارس. (100ص).
وقد تكرَّم أستاذي فأهدى إليَّ نسخة، أبى عليه خُلقُه إلا أن يصدرها بكلمة طيبة، جاء فيها: “يسعدني أن أهدي هذا المؤلف إلى فضيلة الأستاذ الشيخ محمد الهادي الحسني تحقيقا للمحبَّة الخالصة، لله وفي الله، وتوطيدا للعلاقة الإيمانية، وتعاونا على البر والتقوى والرحمة، لتعميق “التعارف والمعرفة والاعتراف”، كشجرة طيبة أصلها ثابتٌ وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها..”.
فتحية طيبة لأستاذي الجليل، وتهنئة صادقة له بهذا التكريم، الذي هو به جدير، وأعتذر مرة أخرى عن عدم تمكني من تلبية الدعوة.. ودعوة خالصة إلى الله – عز وجل – أن يطيل عمر أستاذي الفاضل، الذي علمني الأدب قبل العلم.. ويمتعه بالصحة، وينعم عليه بالعافية، ويرزقنا جميعا حسن الخاتمة، والشكر الجزيل للإخوة في مدينة العطف على صنيعهم الجميل، ونطمع أن يزيدوا، فالوادي المبارك، ومنه العطف، مملوء بالأكارم الذين يستحقون ما استحقه الأستاذ صالح اسماوي