بالكاد يعرف قليل من الأمريكيين شيئًا عن أكبر دولة في أفريقيا، حتى أن كثيرًا من أعضاء الكونجرس لا يملكون معلومات عن الجزائر سوى موقعها على الخريطة بين دول شمال أفريقيا، غير أن أخبار هذا الأسبوع من أحد أهم حلفائنا الاستراتيجيين في إفريقيا ربما تُعلِّم قادتنا القليل عن القيادة والشجاعة اللازمة لإدارة لحكم خلال الأزمة.
من لديهم معلومات عن الجزائر يتذكرون احتجاجات العام الماضي، بيد أنهم لا يعرفون أن تلك الاحتجاجات كانت سلمية، وأنه بعد انتهاء كل احتجاج، قام المتظاهرون أنفسهم بتنظيف المكان ليتأكدوا من عدم وجود نفايات.
وعلى الرغم من أن المنتقدين توقعوا أن تكون الانتخابات الرئاسية المتأخرة في البلاد فوضوية وأنها لن تقدم سوى القليل من الحلول، إلا أنهم كانوا مخطئين. فقد تم انتخاب “عبد المجيد تبون” بنسبة 54٪ من الأصوات، فيما اتفق عليه المراقبون على أنها انتخابات حرة ونزيهة، وخاضها على الأقل أحد أشد منتقدي الحكومة.
واليوم، تواجه الجزائر، مثل معظم دول العالم، تحديات لم يسبق لها مثيل ناجمة عن جائحة فيروس كورونا. إن الأزمة الاقتصادية التي نجمت عن الوباء خطيرة، خاصة في بلد يعتمد إلى حد كبير على إنتاج النفط والغاز. ويقول محللون مستقلون إن ميزانية الجزائر كما كان متوقعًا قبل انهيار الفيروس، افترضت أسعار الطاقة العالمية أن النفط سيبيع بنحو 50 دولارًا للبرميل. وللمرء أن يتخيل مدى الرعب الذي حدث إذ انخفض السعر إلى أقل من 20 دولارًا.
ومع ذلك، يتبين أن الرئيس تبون زعيم قوي ومتمكن، على عكس غيره، فهو يدرك أنه من الخطر تراكم الديون التي يجب أن تسددها الأجيال التي لم تولد بعد. كما أنه يفخر باستقلالية بلاده، فيقاوم دائمًا– مع شعبه– اقتراض الأموال للعيش خارج حدود إمكانيات البلاد، ففي الأسبوع الماضي، خفض ميزانية الحكومة إلى النصف لتجنب رهن مستقبل الأمة لدول أخرى، وشكّل لجنة دستورية لتبني إجراء من شأنه أن يفرض حدًّا لفترتين على الرئاسة والبرلمان.
كم من القادة الوطنيين الآخرين سيكون لديهم الشجاعة لتحمل الضغوط التي سيواجهها الرئيس تبون ليضمن ألا تصبح بلاده في نهاية المطاف غير قادرة على سداد ديونها مع انتهاء الوباء؟ يمكن لدول أفريقية أخرى أن تخاطر بالاقتراض بشكل كبير من دول مثل الصين، حيث تستخدم بكين الأزمة الحالية لزيادة امتيازاتها لدى الدول المدمنة على “مساعدتها”. إن قادة هذه الدول يركعون متوسلين إلى المجتمع الدولي من أجل الصدقات والمنح والقروض للمساعدة في تمويل إنفاق الميزانيات غير المستدامة التي يخشون تخفيضها.
في هذا البلد [الولايات المتحدة]، يقترض الكونجرس والحاكم تلو الآخر للتخفيف من حدة نقص الإيرادات. والدَّيْن المتراكم الآن يجب أن يُسدَّد في ظل ارتفاع الضرائب والتضخم – وديننا مرتفع للغاية بحيث يمكن أن يغطي هذان العاملان معًا الفائدة على الدين، ويقوم المسئولون المنتخبون في الدول المتقدمة الأخرى بالشيء نفسه – على أمل ألا يلحق به الألم الناجم عن هذا، بل على خلفائهم.
لو كان قادة إلينوي السابقون يتمتعون ببصيرة وعزيمة الرئيس الحالي للجزائر، فإن ولايتهم لن تكون قضية سلة اقتصادية. إلا أن القليل من القادة، ممن يخشون الضغط من المصالح الخاصة، على استعداد للمخاطرة بخفض الميزانية عندما تقول الحقيقة إنهم بحاجة إليها. وربما تكون إلينوي أبعد من ذلك على طريق الإفلاس، ومع ذلك، فإن لدى نيويورك وكاليفورنيا سياسات مماثلة، وكلنا نعلم أنهما على وشك الانهيار المالي.
كان التحدي الأكبر الذي واجهته إدارات الرئيس تبون منذ انتخابه بناء الثقة العامة في الحكومة. كان في خضم إصلاح الهيكل الضريبي والتنظيمي للبلاد لخلق فرص عمل والتخفيف من اعتماد الجزائر الشديد على النفط والغاز عندما ضرب الوباء العالم وأجبره على تأجيل الكثير مما يريد تحقيقه.
ومع ذلك، تبنت البلاد الأسبوع الماضي تغييرات دستورية تنص على عدم تجاوز أكثر من ولايتين متتاليتين أو منفصلتين لرئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان، وتعزز استقلال القضاء في البلاد. كما تقوم حكومته بدور أقوى في محاولة إحلال السلام في المنطقة. ومع ذلك، يجب أن يعرف أن منتقديه سيستغلون الاستقطاعات التي يقتضيها هذا الموقف “كدليل” على أنه لا يهتم بالشعب.
ومع دخول الميزانية التي تفرضها الجزائر حيز التنفيذ، ستحتج المصالح الخاصة المحلية والدولية؛ ستقوم صحف مثل “الواشنطن بوست” و”نيويورك تايمز” بنشر مقالات حول الفقراء والأقليات في الجزائر التي تفقد مساعدتها. ولا يسع المرء إلا أن يأمل في أن يسود العقل– لأنه لا يمكن أن يكون هناك أدنى شك في أنه في الوقت الذي تخيم فيه هذه العاصفة على الجزائر، سيكون الوضع أفضل بكثير ممن مارسوا الشجاعة والمنطق السليم بشكل أقل.
وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن الرئيس تبون ملتزم بمسار قد يجعل الجزائر مثالًا يحتذى في كيفية تجاوز الأزمة والخروج منها أقوى مما كان عليه عندما بدأت.
موقع: الجزائر كل ساعة
ترجمة – بسام عباس