الإسراف والتبذير هدر لمعاني رمضان الإيمانية.. بقلم: الأستاذ: رقاني مولاي الشريف.

الحمد لله نحمده وبه نستعين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، سيدنا محمد عبده ورسوله، ومَن تبِعَهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد:

إن كثير من الناس يسرفون في أنواع المأكولات والمشروبات بشكلٍ مفرط وممّا لا حاجة له، كأن لسان حالهم يقول: سينقرضُ المأكل والمشرب من الدّنيا، وهذه الظاهرة لا تزال تتكرّر في كل سنة من الشهر المبارك، إذ أنّ أغلبيتهم أصبحوا يخصِصون له ميزانية خاصة فقط بالتسوق، عوض أن يخصصوا له ميزان أوردة وذكر! ولا تقتصر هذه الظاهرة على الأغنياء فحسب بل تعدت لتشمل حتّى الفقراء ممّا يسبب لهم ضائقة مادية وقد تدفعهم هذه الظاهرة أيضًا للإقراض والدّين، فأصبحت هذه الظاهرة سمة تعاني مع إقبالِ الشهر الرحمة بنسماته ونفحاته الإيمانيّة الروحانية، نجد الكثيرين يُسارعون في العِبادات وفعل الخَيرات والأعمال الصالحة طمعًا في كسبِ رحمة ومغفرة اللّه , الحنان المنان وعفوه، فيسعى العابد الزاهد فيه للاقتراب و تعرض لنفحات من ربّه أكثر ،والآثِم العاصي يسعى للتكفير عن ذنوبه ومعاصيه ليجعله الله عزّ وجل من العتقاء من النّار، بينما نجِدُ أنّ هنالك من لهم مفهومٌ آخر لهذا الشهر المبارك.

فعوضًا المسارعة للعبادة: والتذلل والافتقار يبن يدي الله بقراءة القرآن والاستغفار …. الخ، فهم يُسارعون للتبضع والتسوق في أغلب المجتمعات ومنها الجزائرية خاصة.

بمثال هذه الأفعال تهدر معاني رمضان الإيمانية و تفقد نفحاته الروحانية, فالإسراف مظهر من مظاهر الإفساد التي تؤدي إلى اختلال المعايير، والعود بالضرر على الإنسان المسرف، وعلى مَن حوله وعلى مجتمعه، فهذه الآية خطاب للعالمين جميعًا، وارتكزت على مبدأين: ﴿ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾، وذلك نقضًا لما كانت عليه الجاهلية من العُري الذي ابتدعوه، وحرَّفوا ما أنزل الله جل وعلا بأهوائهم، وقال سبحانه: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾، فقوله جل وعلا: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا ﴾ هذا أمر لكنه للإباحة؛ لأنهم كانوا قد حُرِموا من المآكل والمشارب اختراعًا من عند أنفسهم، وابتداعًا من ذواتهم، فجاء الأمر الرباني: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا ﴾، فليس لأحد أن يحرم ما أحل الله؛ قال بعض السلف: جمع الله جل وعلا الطب كله في نصف آية: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ﴾.

بمعنى يا أيها الناس أو بالأحرى المؤمنين لا يشتهون كلّ ما يرونه أمام أعينِهم ويشترون ما يكفيكم بلا زيادة، فعودوا نفوسكم على شراء ما هو ضروري وبقدرٍ معلوم، مع الأسف الشديد نجدهم يُسرفون بالشّراء، فبينما يموت النّاس جوعًا في بيوتٍ كثيرة لا يملكون من المأكل ما يسدون به جوعهم، نجد هذه الفئة من النّاس يرمون الطعام بسبب تبذيرهم في الشراء والطبخ لأنّهم يأكلون بأعينهم ويشترون بلا وعيٍ أو تفكير.

وقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في المسند من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه -أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((كلوا واشربوا والبسوا وتصدَّقوا، من غير مخيلة ولا سرف؛ فإن الله جل وعلا يحب أن يرى نعمته على عبده.

فهذا الإمام الرباني ابن عباس رضي الله عنهما يقرِّر دلالة هذه الآية الكريمة، كُلْ ما شئت مما أحل الله وأباح، والبس ما شئت مما أحل الله وأباح، ولكن لاحظ أن تَجتنب السرف، والإسراف تجاوز الحد الذي أباحه الله جل وعلا، والمخِيلة هي الكِبر والخُيلاء، وقال ابن عباس رضي الله عنهما أيضًا: أحل الله الأكل والشرب ما لم يكن سرفًا أو مخيلة.

يقول الله عزّ وجل: “وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً” (الإسراء: 26-27) ألا يدرِك هؤلاء الفئة من النّاس أنّ رمضان شهر القرآن والتقرّب للّه بالطاعات والعِبادات لا بالإسراف بأكياس الخضر والمأكولات والتباهي بإعداد مختلف أصناف الأطعمة على الموائد، وكأنّ صيامهم جعلهم يشتهون هذا الصنف وذاك دون التفكير بالكم الهائل الذي يشترونه وأنّ معظمه سيفسد قبل أن يُستهلك كاملاً، تفتح ثلاجاتهم فلا تجد فيها مكانًا، مملوءة بما يحتاجونه وما لا يحتاجونه، بما يسد جوعهم وزيادة، ألا يعلمون أنّ الله سُبحانه جلّ في علاه نهانا عن الإسراف والتبذير؟ أم أنّ حالة الصائم الّتي تملّكتهم سيطرت على معدتهم فظنوا أنّهم سيأكلون كلّ ما يُصادفهم ويوضع أمام أعينِهم من مختلف المأكولات فجعلهم يبالغون في الشّراء! يقول الحق سبحانه وتعالى «وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ” سورة الأعراف.

ألا يكتفي هذا النوع ممن بداعي الأيمان من بني الإنسان بصِنف أو اثنان تكون كميته على قدر قُدرتهم على استهلاكه! 

لماذا يرضخ هؤلاء لنداء بطونِهم متجاهلين نفحات الجواد الكريم ولذة عبادة الرحمن، فيسرِفون في التبضع والشّراء من شتّى أنواع الطعام بما يسُدّ حاجة قبيلة بأكملها ويرمون بذلك أطنان الأطعِمة في القُمامة، والّتي لا يستفيد منها سوى القطط والكلاب الضالة؟  بمثل هذه التصرفات (الإسراف والتبذير هدر لمعاني رمضان الإيمانية ونفحاته الروحية)

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذِل الكفر والكافرين، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، واجمعهم على الحق يا رب العالمين.

اللهم اجعل بلدنا هذا آمنًا مستقرًّا وأرفع عنا هذا البلاء والوباء وسائر بلاد المسلمين، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا.

وعلى الله قصد السبيل

 

الشيخ الأستاذ: رقاني مولاي الشريف.

شيخ زاوية مولاي الشريف الرقاني لتعليم القرأن بتمنراست

المشرف العام لزاوية الشيخ بكة بن ابرهيم تاظروك تمنراست

عن amara

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

%d مدونون معجبون بهذه: