نادي الأسير الفلسطيني : الأسرى المرضى يوجهون رسالة مناشدةٍ للانتصار لقضيتهم

وجه الأسرى المرضى في سجون الاحتلال الإسرائيلي رسالة إلى الشعب الفلسطيني وقياداته وفصائله وجميع المؤسسات المعنية بالأسرى وشؤونهم، وللمجتمع الدولي والشعوب الشقيقة والصديقة، ناشدوا فيها كل تلك الفئات بأن تنتصر لهم ولقضيتهم، معبرين عن معاناتهم وآلامهم التي باتوا لا يطيقونها بسبب سياسة الإهمال الطبي المتعمد، وفيما يلي نص الرسالة نصا وحرفا كما وصلت لنادي الأسير هذا الأسبوع.

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة موجه من الأسرى المرضى بالأصالة وبالإنابة عن جميع الأسرى المرضى بالسجون

إلى جماهير شعبنا الفلسطيني التي إذا أرادت أن تنتصر لقضيةٍ فإنها ستنصرها بمشيئة الله…

وإلى قيادتنا الفلسطينية بكل أشكالها…

وإلى فصائلها الفلسطينية كاملة بأمنائها ومجالسها ومكاتبها ولجانها وأجنحتها المختلفة…

وإلى جميع المؤسسات ذات العلاقة التي تعنى بقضية الأسرى وحقوق الإنسان…

والى المجتمع الدولي والشعوب الشقيقة والصديقة وكل من هو على قيد الإنسانية والحرية.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

نهديكم فتات أرواحنا وما تبقى لدينا من أمل محاصر، وحنين مهرب، وقبل باردة، تأتينا على قطع القماش الباردة …نهديكم أرواحنا وقد سمعنا حشرجتها المختنقة في صدورنا فهي عازمة على الرحيل…

لا نعرف من أي وجع نبدأ حيث لا نهاية للوجع! من هنا، من السجن، حيث السجن مقصلة الذي ما زال يحلم بالوطن، من حيث الزنزانة غير القابلة للحياة الآدمية، من تحت الظروف القاسية والتي لا تتناسب مع الجنس البشري.

نراسلكم من هنا، من فوق الكراسي الحديدية، حيث مشقة السفر وقسوة الذهاب والإياب من مقصلة إلى مقصلة (في البوسطة التي تجتمع بها كل أشكال المعاناة من قيد وبرد ومرض ومشقة السفر) في ظل معاملة قاسية ومهينة نفسياً وجسدياً.

نخاطبكم من تحت مطرقة الجلاد؛ حيث يمارس بحقنا كل أشكال الظلم والسادية والعنجهية والغطرسة بكل وحشية وبشكل ممنهج ومخطط له. نخاطبكم من فوق أسرة عيادات السجون و”مشفى الرملة” (ثلاجة الموتى) حيث لا شفاء ولا علاج.

فأطباء عيادات السجون ما هم إلا رأس حربة السجّان التي تخترق خاصرتنا، يشخصون أوجاعنا كما يروح لأمزجتهم وآرائهم الشخصية، دون إجراء ما يلزم من فحوصات حقيقية، عابثين بنا. فأجسادنا ليست جيفاً كي يتقززوا من لمسها، ونحن لسنا عبيدا كي يوغلوا في الاستهتار بنا، ولم تعد قضية الإهمال الطبي سياسة ممنهجة وحسب، إنها أكبر من ذلك! فقد أصبحت حبة المسكن التي اعتاد الجسد عليها، وسيلتهم للنيل من محتوانا وهويتنا ومبادئنا، فبها يساوموننا على ما تبقى لدينا من كرامة وعزة.

ليس هذا وحسب!

يؤسفنا أن نقول لكم أن دولة الظلم استغنت عن الفئران في تجاربها الطبية فقد وجدت أجسادنا لتصبح حقلا لتجاربها الطبية.

ليس هـذا وحسب!

صار المرض وسيلة السجان للقضاء على قضيتنا، حيث يتعمد زرع المرض في أجسادنا لنبصح عالة على شعبنا وذوينا، ولترهيب كل من يعشق الحرية ويوغل في طلبها؛ لنصبح عبرة لغيرنا ويشار لنا بالبنان. لقد أدرك السجّان أجسادنا، ويحاول عبثا أن يدرك الفكرة والمبدأ وعشق الحرية وحنيننا الوطن.

تفاقمت الأوجاع فينا وازدحمت، وصلت الذروة وذروة الذروة، فالمقعدين والمصابين بالسرطان وأمراض القلب والتنفس والكبد والرئة والديسك والنظر والأورام والسكري والجرحى وأصحاب الأمراض النفسية والعقلية، صار المرض والقيد توأمان.

المرض ينهشنا من كل جنب وما يصلكم بعض ما نعانيه في ثواني العمر على فراش السجن البارد، علما بأن الكثير من الأسرى ما زالوا يرفضون الحديث عن أمراضهم وأوجاعهم خوفاً منهم على ذويهم كي لا يرهقونهم بمزيد من الهموم، ما زالت الكثير من الأمراض حبيسة أجساد أعياها الوجع.

لم تعد حبة الدواء مطلب لنا فقد أثبت السجان أنها من مصادر معاناتنا ومن دواعي عذاباتنا، ما نشتهيه بكل شوق ووعي هو شهوة الرحيل من أحضان أمهاتنا وأولادنا وذوينا، رحيل موشح بابتسامة أخيرة واحتضان دافئ أخير.

لهذا نستحلفكم بالله العظيم أن توحدوا جهودكم وتكثفوها، وتبتعدوا عن المناكفات والخلافات؛ كرامة لله ورسوله ثم كرامة لشهداء الوطن وشهداء الحركة الأسيرة، وانتصاراً لعذاباتنا ومعاناتنا التي نعيشها بكل ثوانيها ودقائقها.

نستحلفكم بالله جميعكم أن تكون قضيتنا وجراحنا الملتهبة سبب وحدتكم، لقد لاحظنا بعض الاهتمام المبارك بقضية الأسرى عموماً منذ ما يقارب العامين وكان هذا الاهتمام بمثابة الرذاذ الخفيف الذي تساقط على شفاهنا الشقية وأذاب بعض أملاح الشقاء عن شقوق أرواحنا، ولكننا نأمل منكم مزيداً من الجهود الموحدة والمكثفة بكل المجالات وبكل المحافل الدولية وفي أرض الوطن الجريح.

تصلنا بعض بشائر الأمل بالتحرر ولكن هذا الأمل مشبع بالتخوف والترقب، ولن نعيشه تماماً إلا إذا شاهدنا أنفسنا نقبل جباهكم واقعاً حقيقيا،ً لا أضغان أحلام. تجاربنا علمتنا أن هذا الأمل الذي نترقبه من خلالكم بكل لهفة مهدد بالاغتيال والتصفية كلما حاول دخول زنازيننا خلسة عن أعين السجان، فلا يسمح له أن يكون إلا مترنحاً مريضاً منهكاً كأجسادنا.

إن لم تدركوا رسالتنا هذه كما أدرك السجان أجسادنا فسوف تصلكم رسائلنا القادمة بشكل مختلف؛ ستكون رسالتنا القادمة جسداً ممدداً، وقد اعتدنا على رؤيته على كرسيه المتحرك، فمنصور موقدة ومعتز عبيدو وناهض الأقرع على سبيل المقعدين.

ستصلكم رسالتنا القادمة (بزة شاباص) تخبؤ فيها جسداً مشبعاً بحقن الكيماوي والكورتزون فمعتصم رداد ويسري المصري على سبيل السرطان.

ستصلكم أجساداً مهترئة من آثار المسكنات والتجارب الطبية، والقائمة تطول وتطول!

ستصلكم أجساد تحمل قلوباً استوطنها الضعف بعضلة القلب والتضخم وانسداد الشرايين، . نستحلفكم بالله أن تدركوا رسالتنا كما أدرك السجان أجسادنا،

ربما نتفهم جوانب القصور المتعلقة بقضيتنا ولكننا نقف مذهولين من التقصير الذي يحيط قضيتنا من كل صوب، مذهولين رغم كل المعاناة والألم؛ تتجه عيوننا نحو الأسير المريض المسن فؤاد الشوبكي، فكيف يقبل حر على بقائه في السجن؟!

هذه الرسالة التي تنقل لكم بعض ما جال بنا من ألم ووجع ومعاناة ستكون مختلفة عن رسائلنا القادمة، إن لم تصل قلوبكم وعقولكم وأفعالكم فإننا مضطرون إلى انتزاع حريتنا بأمعائنا، وسنكون حينها شلال من الشهداء يتحمل السجان أولاً مسؤولية ذلك، ولا نعفيكم من تحمل جزء من المسؤولية، وإذا اضطررنا لخوض معركة التحرر بأمعائنا ونحن على ما نحن عليه من معاناة وعذابات فهذا لأننا بدأنا نفقد أي ثقة وأمل لنا بكم.

فاختاروا بين أن تستقبلونا في ساحات المشافي الفلسطينية رافعين رايات النصر والحرية، أو أن تستقبلونا على أعتاب مقابرنا الفلسطينية!

 

يا شعب الشهداء، يا أحرار العالم …

ألهذه الدرجة هانت عليكم كرامتنا؟! وتقزمت بعيونكم وأفعالكم معاناتنا؟!

نقسم لكم بالله العظيم أننا نتمنى حكما صريحاً بالإعدام، وليتم تنفيذه لنستريح دفعة واحدة من الألم لأننا نعايش الإعدام البطيء يومياً، فشهيقنا من الخاصرة، وفراشنا مشاك بآلاف الإبر والسكاكين المسمومة، يعتصرنا الألم وتعصف بأجسادنا كل أشكال الوجع. نريد الحرية ونشتهيها، سواء أكانت حرية القيد أم حريتنا من المرض والتي لن تتحقق عند معظمنا إلا برحيل أبدي.

وأخيرا نعتذر لكم إن آلمنا شعوركم وأرهقناكم بوصف بعض ما نعانيه، وربما لا تكفينا الملفات الضخمة ولا السجلات الكبيرة لنوثق لكم مشاهد حياتنا البعيدة كل البعد عن الحياة، وإن وصلتكم أجسادنا؛ فستجدونها سجلاً حافلاً وشاهداً صادقاً على ما نقوله لكم في هذه الرسالة .

إلى أن يمن الله علينا بفرج ٍ نسأله أن يكون قريبا، أو شهادة تريحنا من عذاباتنا، نهديكم فتات أرواحنا المختنقة في صدورنا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عن amara

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

%d مدونون معجبون بهذه: