ان التشكيلات الجماعية التي رسخت مفاهيم الذاكرة المركزية للثقافة العربية هي في الحقيقة تشكيلات قطاعية متحيزة لمعارفها افقدت العقل العربي فاعلية الاحساس بكينونته الخاصة الغير خاضعة للامتلاك و العبودية تحت اي تحيز عرقي او ديني او جغرافي معين ، ان هذه الكينونة التي من شروطها الاساسية الاستقلالية والحرية وحضور العقل النقدي، والسمة الاساسية لنموذج الكينونة كما طرحه أيريك فروم هي أن يكون الانسان نشيطا ايجابيا فاعلا لا بمعنى النشاط الظاهري، اي الانشغال وانما المقصود هو النشاط الداخلي بمعنى الاستخدام المثمر للطاقة الانسانية.
ان الذاكرة المركزية للثقافة العربية اوهمت الفاعل الاجتماعي على انه يمارس استخدام الفعل و يستثمر طاقته التى رسمها عبر وعيه المزيف انه ابن حضارة سادت و ستسود ، ابن عرق لا يشبه الاخرين مروءة و فروسية و قيم ، ابن وطن علم الاخرين كيف تُعشق الاوطان ، وهو في الحقيقة يمارس الانشغال وهو النشاط الظاهري الذي يريح الانا و يعيشه النحن .لكن وفق طاقة مستنزفة عبر وعي سلطوي يعلو بالنشاط و يلغي الاستخدام .ان الفكر العربي بسلطاته جعل من الفرد العربي يففد كينونته وفق الذات المعزولة ، ان اطار البناء الشمولي للمجتمع وهو بناء ينتمي للنموذج التملكي الغير فاعل حيث مركزنا الإنساني لا يوجد في داخلنا، ولكنه موجود في السلطة التي نخضع لها، وحيث نحقق الرفاهية من خلال نشاطنا الذاتي المنشغل بالفعل لا بطاقته ، و من ثَم تتملكنا بالطاعة السلبية السلطة التى ننتمي لنشاطها وتستحسن أفعالنا.
ان السلطة لا تطلب المعاناة والالم لاحد ولكنها لا تملك بديلهما. ان رفض السلطة للاستخدام الفاعل للنشاط الفعلي لفاعلية العقل يجبرها ان ترزقنا الأمن والأمان طالما نحن لا شيء ، اي لا كيان مستقل لنا ،ان الخاضع للاجتماع البشري وفق كينونة الفكر العربي قد لا يشعر و قد لا يدرك ايضا خضوعنا للسلطة إلى هذا الحد ، وقد تكون السلطة في شكلها قاهرة أو قد تكون لينة ، وقد لا يكون البناء الاجتماعي الفاعل المستخدم مكتمل الشمولية، الحقيقة أن الفكر العربي يعيش في النمط التملكي المنشغل غير المستخدم إلى الدرجة التي صار البناء الشمولي لمجتمعنا جزءا من ذاتنا واصبح مبدأ داخليا مرشدا لافعالنا و سلوكياتنا ان الفونس أوير حين يؤكد بوضوح أن رؤية توما الأكويني للسلطة وعدم الطاعة والخطيئة هي رؤية تتفق تماما مع النزعة الانسانية ،حيث يذهب إلى أن الخروج على سلطة غير عقلانية ليس ذنبا أو إثما وإنما الإثم يكون في انتهاك الحياة الانسانية الكريمة . حقيقةُُ انه لا يمكن أن نسيء إلى الخالق إلا إذا كانت أفعالنا انتهاكا لحياتنا وكرامتنا نحن. ان انعدام المعايير كما طرحها اميل دوركايم جعل من الفكر العربي يبحث عن الحرية ليجد كينونته و لكنه يخافها ، يتعشق استقلاليته و لكنه يعيش تمزق الذات.
ان عدم ايجاد اليات الكينونة الفاعلة للذات العربية التى تعيش اشكالية وفق ثنائية مركبة ففعلها مقيد ، وحريتها مطوقة، و ولاؤها موزع بين ما كان و ما سيكون .ان هذا التمزق للذاكرة المركزية للثقافة العربية بين فقدان الاستقلالية و الخوف من الحرية و غياب العقل النقدي اوقعها في عدم الفاعلية الواعية لذاتها و مدركاتها و التي من خلالها تكون او لا تكون. ان حالة العدمية التي يمر بها العقل العربي عبر النشاط الانشغالي هي حالة غير مستغربة وفق حالة التملك التي تمارسها السلطة للكينونة الفردية و العامة. ان هذا التملك و حالة العبودية القاهرة التي تمارس على العقل العربي افقد العقل فاعلية النشاط المستخدم المثمر للطاقة ان النقد المرتكز على ان الحق اصل و ثابت وغيره تابع و متغير. ان الدين لا يلغي كينونة الفرد وطاقته الفاعلة المستخدمة فكل نفس بما اكتسبت رهينة مأخوذة بعملها. ان اللامعقولية في مركزية الذاكرة الثقافية العربية هو ما تحدث عنه ابن خلدون حين قال يجب امعان العقل في الخبر ، فرُسم التاريخ وفق متطلبات السلطة التي تلغي الانا و لا تهتم بنحن و تفقدنا كينونتنا بحجة المقاصد وطنا كان او أمة.و تخيرنا بين ان نستسلم للعدمية او ان نكون في العدم …………..يتبع