جثامين الشهداء ومقابر الأرقام اعداد الأسير المحرر الدكتور : رأفت حمدونة

مقدمة :

حكاية جديدة نسرد فصولها من بين شفاه الرمال، حكاية منسوجة بخيوط الحزن والألم، قبور حملت أرقام لأصحابها بدلاً عن أسمائهم، وأجساد يحاول الاحتلال الانتقام منها لأنها أذاقته من نفس الكأس التي شربت منه، وباحتجاز رفات هذه الأجساد يؤكد هذا العدو انعدام إنسانيته وحرصه على معاقبة الفلسطيني حياً أو ميتاً، بشكل يعبر عن حقده وإجرامه” .

يطلق على مقابر الأرقام ( المقابر السرية ) ، وهى عبارة عن مدافن بسيطة، محاطة بالحجارة بدون شواهد، توضع جثة الشهيد الفلسطينى أو العربى في كيس بلاستيك وتدفن ويثبت فوق القبر لوحة معدنية تحمل رقماً معيناً، ولهذا سميت بمقابر الأرقام لأنها تتخذ الأرقام بديلاً لأسماء الشهداء، هذه المقابر أيضا في وضع مزري لا إنساني عرضة للانجرافات الترابية، وكانت تقارير قد تحدثت عن اختفاء جثامين بفعل دخول الحيوانات اليها، وعبثها بهذه الجثث .

وأقامت دولة الاحتلال هذه المقابر بهدف احتجاز جثامين الشهداء الذين قاوموا الاحتلال أثناء الحروب أو بشكل فردى ، أو من الأسرى الذين استشهدوا أثناء الاعتقال وترفض الجهات الاسرائيلية تسليم جثامينهم ، متجاوزة القانون الدولي الانسانى واتفاقيات جنيف ومعايير حقوق الإنسان الذى يلزم أى دولة بتسليم الجثامين إلى ذويهم واحترام كرامة المتوفين ومراعاة طقوسهم الدينية خلال عمليات الدفن.

وترفض سلطات الاحتلال الاسرائيلى الإدلاء بالبيانات والإحصائيات حول أعداد الشهداء وأماكن تواجدهم وتفرض السرية الكاملة حول هذه الملف ،ويؤكد منسق الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء والمفقودين، سالم خلة، أنّه لا يزال هناك ما يزيد عن 262 جثماناً لشهداء فلسطينيين وعرب، منهم أردنيون ومغاربة وعراقيون، في حين يعترف الاحتلال بوجود 119 جثمانا فقط .

وهنالك جثامين أربعة أسرى استشهدوا في سجون الاحتلال هم  انيس دولة عزيز عويسات، فارس بارود ونصار طقاطقة .

وبذلك قد تكون دولة الاحتلال هى الدولة الوحيدة فى العالم التى تعتقل الموتى وجثامين الأسرى لأكثر من أربعين عاماً متواصلة ، ولازال جثمان الشهيدة الفلسطينية دلال المغربى والعشرات من الشهداء يواريهم الاحتلال بلا ادنى حرمة وفق كرامة انسانية تحفظها كل الشرائع السماوية  فيما يسمى بمقابر الأرقام منذ العام 1978  .

وتمتلك السلطة الفلسطينية والمؤسسات الحقوقية معلومات تؤكد أن هنالك أربع مقابر للأرقام يدفن فيها شهداء فلسطينيين وعرب وهى :

  1. مقبرة الأرقام المجاورة لجسر “بنات يعقوب” وتقع في منطقة عسكرية، عند ملتقى الحدود الإسرائيلية – السورية – اللبنانية، غالبيتهم ممن سقطوا في حرب 1982، وما بعد ذلك.

  1. مقبرة الأرقام الواقعة في المنطقة العسكرية المغلقة بين مدينة أريحا وجسر دامية في غور الأردن، وهي محاطة بجدار، فيه بوابة حديدية، معلق فوقها لافتة كبيرة كتب عليها بالعبرية:  “مقبرة لضحايا العدو” .
  2. مقبرة “ريفيديم” وتقع في غور الأردن.

  1. مقبرة “شحيطة” وتقع في قرية وادي الحمام، شمال مدينة طبريا الواقعة بين جبل أربيل وبحيرة طبريا، غالبية الجثامين فيها لشهداء معارك منطقة الأغوار بين عامي 1965 – 1975.

جدير بالذكر أن دولة الاحتلال هي الوحيدة في العالم التي تنتهج هذا السلوك المشين كسياسة ثابتة في تعاملها مع الفلسطينيين والعرب، وكذلك هي الوحيدة التي تُعاقب الشهداء بعد موتهم وتمنع عائلاتهم من دفنهم في مدافن خاصة بهم ووفقا لشرائعهم وتقاليدهم الدينية. وكثيراً ما استخدم جثامينهم للمساومة والضغط على الفصائل التي ينتمون اليها. الأمر الذي يشكل عقابا جماعيا، ويُعتبر جريمة دينية وقانونية وأخلاقية وإنسانية جريمة، وانتهاكاً جسيماً لقواعد حقوق الإنسان واتفاقية جنيف الأولى وخاصة المادة (17) والتي ألزمت أطراف النزاع التحقق من أن الموتى قد دفنوا باحترام وطبقاً لشعائر دينهم وفي مقابر تُحترم، وتُصان بشكل دائم ، وتسعي دولة الاحتلال من خلال الاحتفاظ بجثامين الشهداء في مقابرها لتحقيق مكاسب سياسية وممارسة ضغوط على الفلسطينيين وأهالي الشهداء والاحتفاظ بهم كرهائن ، الأمر الذى يثير المشاعر الانسانية كون أن هذه المقابر عبارة عن مدافن رملية قليلة العمق، ما يعرضها للانجراف، فتظهر الجثامين منها، لتصبح عرضة لنهش الكلاب الضالة والوحوش الضارة . .

أهداف احتجاز الشهداء :

تقوم سلطات الاحتلال لاحتجاز الشهداء لهدفين :

الأول : يتمثل في تشكيل رادع للفلسطينيين في محاولة لمنعهم من تنفيذ عمليات فدائية .

الثاني : استخدام الجثامين كورقة مساومة في أي صفقات تبادل مستقبلية مع حركات المقاومة.

على العلم أن جثامين الشهداء تدفن من دون تصويرها أو استصدار أمر دفن من ضابط المنطقة الإسرائيلي، وبعضها يدفن من دون أن ترفق معه بطاقة حديدية يكتب فيها اسم الشهيد ورقمه وتاريخ استشهاده، على عكس ما تفرضه التعليمات العسكرية الإسرائيلية المكتوبة.

وقد أدى هذا الإهمال والتعامل غير الإنساني إلى صعوبات في التعرف على جثامين بعض الشهداء لدى استخراجها بعد سنوات طويلة.

عمليات تبادل لجثامين الشهداء :

جرت عمليات تبادل لجثامين الشهداء نذكر منها تبادل عام 1996 وحتى عام 2008 أربع صفقات لتبادل الأسرى والجثامين بين الاحتلال وحزب الله اللبناني، وكان من المفترض أن يكون جثمان الشهيدة دلال المغربي من بين الجثامين المطلق سراحها في صفقة عام 2008، إلا أن

الجثمان لم يسلم، وادعت سلطات الاحتلال يومها أنها لم تعثر عليه، وأنه قد يكون انجرف بفعل انهيار التربة إلى خارج حدود المقبرة، وفي عام 2010 أفرجت سلطات الاحتلال عن جثمان الشهيد مشهور العاروري بعد سنتين من النضال القانوني في ملفه وبعد احتجاز دام 34 عاما في مقابر الأرقام، وفي العام التالي تم استرداد جثمان الشهيد حافظ أبو زنط بعد 35 عاما من الاحتجاز وقد كان رفيقا للشهيد العاروري( )، وفي عامي 2013 و2014، جرى تسليم جثامين بعض الشهداء الفلسطينيين قبيل استئناف المفاوضات مع السّلطة الفلسطينية آنذاك .

المطلوب لاعادة جثامين الشهداء :

أعتقد بأنه يجب أن نعمل على ثلاث مستويات محلياً وعربياً ودولياً للافراج عن جثامين الشهداء كالتالى :

1- إثارة الموضوع اعلامياً بلغات مختلفة وتدويل هذا الملف ليدرك العالم ماهية دولة الاحتلال التى تدعة الديمقراطية وحقوق الانسان .

2- حمل ملفات للمحاكم الدولية للضغط من أجل الافراج عن الجثامين وملاحقة زعامات دولة الاحتلال على ما انتهاكاتهم بحق الموتى والمخالف للاتفاقيات الدولية والقانون الدولى الانسانى ، التى تؤكد على احترام جثث الموتى، وأن اتفاقية جنيف الرابعة تؤكد على ضرورة أن يتم تسليم الجثامين إلى عائلاتها، لدفنها بحسب المعتقدات الدينية التي يعتنقونها” ، على العلم أن الأمر لا يتوقف الانتهاكات عند احتجاز جثمان الشهيد بل هناك سرقة أعضاء الشهداء، وهذا ما كشفه التحقيق الصحفي الذي أجراه الصحفي السويدي، دونالد بوستروم عن سرقة أعضاء جثث الشهداء الفلسطينيتين اضافة الى احتمال تعرض جثامين الشهداء لتجارب طبية، و المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الانسان العمل على تحريك هذا الملف قانونياً والضغط على حكومة الاحتلال من خلال كشف هذا الملف الخطير أن لا يتم التغاضي عن هذا الملف الخطير الذي يمس كرامة الشهداء .

3- إثارة الموضوع عبر سلسة فعاليات شعبية محلية ودولية بصحبة المتضامنين والمتعاطفين والأحرار والشرفاء والاصدقاء في العالم ، لتشكيل حالة ضغط حقيقية على الاحتلال .

خاتمة :

في الختام أطالب بإنشاء مقبرتين رمزيتين مفتوحتين حتى عودة الجاثمين أولاهما فى غزة والأخرى فى الضفة الغربية لانتظار شهداء مقابر الأرقام والتي تساوم إسرائيل على تسليمهم لذويهم أ وأعتبر أن هذا المشروع يأتي فى سياق إبراز معاناة أهالي الشهداء اللذين يتمنون قراءة الفاتحة على قبور أبناءهم ، وفي سياق فضح انتهاكات دولة الاحتلال بحق الشهداء ، كونها الدولة الوحيدة فى العالم التي تحتجز جثامين الموتى فى العالم .

وأعتقد أننا بحاجة لإنشاء مقبرة على أعلى مستوى من الاهتمام الكامل بالقبور المفتوحة التي تنتظر عودة الجثامين وكتابة اسم ورقم الشهيد عليه” ، وأطالب باهتمام كبير لجدار المقبرة والنصب الذي يتوسطها وللبوابة وعمرانها والأشجار والحدائق بداخلها عند التنفيذ لتكون محط أنظار الإعلاميين والمتضامنين والدبلوماسيين الذين يؤمون غزة والضفة وبنصب تذكاري يخلد ذكراهم .

وأشير إلى أن الاحتلال أنشأ مؤسسة ياد فاشيم عام 1953 كمركز عالمي توثيقي وبحثي وتعليمي لتخليد ذكرى الهولوكوست ، فأصبحت ملتقىً دوليا للأجيال، حيث يأتي كل عام مئات الألوف من الزوار من جميع أصقاع الأرض والمنتسبين إلى كافة الطبقات والمناشئ والديانات والمعتقدات لزيارة مجمّع “ياد فاشيم” المترامي الأطراف الذي يضم المتاحف والمعارض والأنصبة التذكارية والمراكز البحثية والتعليمية والأراشيف والمكتبات.

وأتسائل ما الذى يمنع من اقامة مقبرة تحمل اسم مقبرة الأرقام ويؤمها الجماهير والأصدقاء والمتضامنين مع الشعب الفلسطينى من كل العالم للضغط على الاحتلال حتى يتم الإفراج عن كل الجثامين ودفنها فى أماكنها قريباً من مكان سكنى عوائلها .

وأطالب كلا من الرئيس أبو مازن ورئيس الوزراء الفلسطينى الدكتور محمد اشتية والأصدقاء العرب والمسلمين وخاصة الجامعة العربية والمؤتمر الاسلامى ومجلس التعاون الخليجي بتبني تنفيذ هذا المشروع لأهميته الدينية والوطنية والقومية والأخلاقية والإنسانية ، وأبدى مركز الأسرى استعداده الكامل بالتعاون مع أى جهة لتبنى هذا المشروع .

اعداد الأسير المحرر الدكتور : رأفت حمدونة

مدير مركز الأسرى للدراسات

عن amara

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

%d مدونون معجبون بهذه: