عهدٌ جديد في عام جديد بقلم الدكتور :سلطان بركاني

عام يرحل، وآخر يحلّ ليضاف إلى عمر أمّة الإسلام، ويضاف إلى عمر كلّ من كتب الله له أن يعيش شهور العام الجديد وأيامه ولياليه.. رحيلعام يذكّر من تدبّر واعتبر بالمحاسبة والمراجعة، وحلول عام جديد يذكّر من تنبّه وتذكّر بتجديد الحياة.. المؤمن الفطن يحاسب نفسه كلّ يوم إذا أوى إلى فراشه لينام، فينظر ما قدّم وما أخّر، ويتوب إلى الله من تقصيره، فإذا فتح عينيه مع فجر يوم جديد، عقد العزم على تجديد حياته وتصحيح أخطائه، وإن قصّر في المحاسبة والمراجعة فإنّه يحاسب نفسه كلّ أسبوع، في يوم الجمعة، فيعاتب نفسه على التّقصير والتّفريط، ويتوب ويستغفر ربّه، ويعقد العزم على إصلاح حاله وتعديل مساره.

العبد المؤمن الكيّس يُحاسب نفسه ويراجع حاله كلّ يوم أو على الأقلّ كلّ أسبوع، ومن حُرم هذا وذاك، فأضعف الإيمان أن يحاسب نفسه مع نهاية عام هجريّ وبداية آخر، فليس يليق أن يهتمّ المؤمن بحساب أرباح تجارته وحساب مداخيله ومصاريفه نهاية كلّ عام وربّما نهاية كلّ شهر، ثمّ يغفل عن تلمّس رصيده وزاده في طريقه إلى الآخرة، وهو الذي لا يدري متى تكون نهاية الطّريق، ومتى يقف للحساب الأكيد الذي لا مفرّ منه.

إنّه ليس يليق بنا أن يكون قصارى همّ الواحد منّا معرفة موعد بداية العام الجديد ليحظى بيوم عطلة يرتاح فيه من العمل، وإنّما ينبغي أن يهتمّ بنهاية عام وبداية عام جديد ليحاسب نفسه، ويجدّد وينظّم حياته ويصلح أخطاءه ويصحّح مساره، ويسعى للوفاء بما عليه من حقوق لله ولعباد الله، من زكاة وكفّارات، وديون وأمانات، ولعلّ من أكثر ما يعين العبد المؤمن على محاسبة نفسه وتجديد حياته، أن يكون صريحا مع نفسه، فربّما لو تأمّل حاله لوجد أنّه قد ملّ حياته وملّ الرّوتين الذي يعيشه؛ ينام كئيبا ويصحو كئيبا، ويصبح كئيبا ويمسي كئيبا.. في حياته وفي يومياته أمور كثيرة يعلم أنّها ليست حسنة ويعلم أنّ الله لا يحبّها، بل هو أيضا يتمنّى التخلّص منها.. منذ سنوات وحاله مع الصّلاة هي حاله، وحاله مع الذّكر وقراءة القرآن هي حاله. علاقته مع زوجته لم تتجدّد ولم تتحسّن. علاقته بأبنائه كما هي منذ سنوات. في قلبه من الضّيق وفي جسده من الوهن والفتور ما الله به عليم، ولكنّه مع كلّ ذلك إلى الآن لم يفكّر في تجديد حياته. لم يفكّر في أن يكون أفضل ممّا هو عليه الآن. هو يستطيع أن يكون أفضل، لكنّه إلى الآن لم يعقد العزم على تجديد حياته.

ربّما مرّت بكلّ واحد منّا سنوات وسنوات ولم يتغيّر، بل ربّما تغيّر ولكن إلى الأسوأ.. مع حلول كلّ عام يزداد الواحد منّا قربا إلى قبره وقربا للقاء مولاه، لكنّه ربّما لا يزداد في المقابل إلا فتورا ووهنا.

فيا أخي المؤمن.. جوانب كثيرة في حياتك تعلم أنّ الله لا يحبّها.. بل أنت أيضا لا تحبّها.. جدّد حياتك وتخلّص منها.. جدّد حياتك مع بداية عام جديد.. اكتب أو على الأقلّ تذكّر كلّ النّقائص التي تراها في نفسك وتعْلم أنّ الله لا يحبّ أن يراها فيك.. اكتبها وانظر إليها وفكّر كيف تتخلّص من كلّ واحدة منها.. اعقد العزم واستعن بالله واجتهد أن تتخلّص من كلّ النّقائص التي تراها في نفسك وفي حالك.. تخلّص من المعاصي التي لا تزال مصرا عليها.. النّوم عن الصّلاة وإخراجها عن وقتها كبيرة من أكبر الكبائر؛ جدّد حياتك وتخلّص منها.. النّظر إلى الحرام معصية لا يحبّها الله، فجدّد حياتك وتخلّص منها.. الغيبة كبيرة من الكبائر، فجدّد حياتك وجاهد نفسك أن تصون لسانك عن الحديث في إخوانك المسلمين بما يكرهون.. جدّد حياتك وانشغل بعيوبك عن عيوب الآخرين إلا أن تأمر بمعروف أو تنهى عن منكر أو تسدي نصيحة.. سماع الغناء يقسّي القلب ويبعد عن القرآن وهو معصية يجب أن تتخلّص منها.. التّدخين حرام ومعصية لله فجدّد حياتك وتخلّص منه.. جدّد حياتك مع زوجتك وأمّ أولادك؛ أحسن إليها. أهد إليها هدية. اشكرها على أتعابها. عبّر لها عن مشاعرك. حبّب إليها صلاة الفجر. حبّب إليها قراءة أو سماع القرآن. حبّب إليها متابعة القنوات الدّينيّة الهادفة. جدّد حياتك مع أبنائك واحْنُ عليهم واهتمّ بأمورهم وأصغ لهمومهم. ابتسم إليهم وضاحكهم ولاعبهم. اصطحبهممعك إلى المسجد. حبّب إليهم الصّلاة وحفظ القرآن. جدّد حياتك أخي المؤمن وأنْهِ العداوات بينك وبين من تعاديهم أو يعادونك.. استعن بالله واسْعَ جاهدا لقضاء ديونك.. جدّدي حجابك أيتها المؤمنة من الحسن إلى الأحسن، من الواسع إلى الأوسع. جدّدي حياتك فالدّنيا أفضل في كنف طاعة الله وطلب مرضاته. جدّدي حياتك فالسّعادة كلّ السّعادة في صلاة الفجر لوقتها، وفي طاعتك لزوجك في غير معصية الله، وتربيتك لأبنائك على طاعة الله.

فقال: ما أحسنكِ! لولا هذا السنّور الذي في عنقك!

عن amara

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

%d مدونون معجبون بهذه: