صادف يوم الثلاثاء الماضي (27) من أغسطس الجاري ذكرى اليوم الوطني لاسترداد جثامين الشهداء التي تحتجزها سلطات “الاحتلال الإسرائيلي” منذ سنوات، وذلك كعادة الاحتلال في ممارسة سياسة “العقاب الجماعي” ضد المدنيين الفلسطينيين؛ أحياءً وأمواتا.
وتؤكد الجهات الفلسطينية بأن سلطات الاحتلال تحتجز نحو 304 من جثامين لفلسطينيين وعرب استشهدوا خلال مواجهات مع القوات الإسرائيلية منذ احتلالها للضفة الغربية في 1967.
والتي طالب الفلسطينيون بإعادة جثامينهم إلى ذويهم وفقاً لما تفرضه قواعد القانون الإنساني الدولي؛ وخاصة ما نصت عليه اتفاقيات جنيف للعام 1949 على “الاحتلال” في هذا الشأن.
لذلك في العام 2008 بادر “مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان” ومقره مدينة رام الله إلى الدعوة للمطالبة باسترداد جثامين الشهداء بكل السبل الممكنة، وحينها تأسست الحملة الوطنية لاسترداد الجثامين.
ومن الجدير بالذكر أن الحملة وقتها نجحت في استرداد جثامين 131 شهيد من المحتجزين لدى الاحتلال، الذي يحتجزهم فيما يُعرف بـ “مقابر الأرقام” و “ثلاجات الموت”.
وفي إحصاء تفصيلي جديد ترى الجهات المختصة بأن هناك 68 شهيداً مفقوداً منذ بداية الاحتلال سنة (1967)، و220 شهيداً وشهيدة احتجز “الاحتلال” جثامينهم بعد العام (2015)، بالإضافة إلى 42 شهيداً تحتجزهم سلطات “الاحتلال” بأماكن مجهولة منذ العام 2015، كذلك 13 شهيداً غزياً يرفض “الاحتلال” الإفصاح عن مكان احتجاز جثامينهم، وأن أخرها ما كان في هذا العام حيث تحتجز سلطات “الاحتلال” في الثلاجات 17 جثماناً لفلسطينيين استشهدوا على أيدي “قوات الاحتلال” منهم 5 من قطاع غزة و12 آخرين من الضفة الغربية”.
وإذا أردنا الحديث عن الجانب القانوني للمخالفات التي يقترفها “الاحتلال” ضمن هذه السياسة “للعقوبات الجماعية” الخاصة باحتجاز جثامين الشهداء، فلا بد أن نشير إلى النقاط القانونية التالية:
أولاً: إن الفصل الحادي عشر من اتفاقية جنيف الرابعة قد نظم مسألة وفاة المعتقلين لدى سلطة الاحتلال أياً كانت، وبين الشروط والإجراءات الدقيقة للتعامل مع هذه الحالة، من التحقق من الوفاة، أسبابها، إصدار شهادة الوفاة، تبليغ العائلة وتسليم الجثمان لهم، أو الدفن المؤقت وفقاً للظروف، مع أهمية التحقيق في الوفيات المشتبه بها ومحاسبة المسؤول.
كل ذلك لا تأخذ به سلطات الاحتلال في مخالفة صريحة للاتفاقية الملزمة لهذا “الاحتلال”.
ثانياً: لا شك أن قيام “الاحتلال” بهذه المخالفة القانونية يرجع إلى رغبته في إخفاء جرائم “القتل العمد” أو “الموت بسبب التعذيب” التي وقعت في حق معظم الضحايا الذين يحتجز جثامينهم، وبالتالي يغيب التحقيق في الجرائم الأصلية التي قد تُدرج ضمن “جرائم الحرب” و “الجرائم ضد الإنسانية”.
ثالثاً: سياسة “العقاب الجماعي” التي تُمارس في حق أهالي الشهداء من حرمانهم من القيام بالواجب الديني والأسري في حق أبنائهم، ومعرفة حقيقة ما حدث لهم؛ تُدرج ضمن جريمة “التعذيب النفسي” والتي هي بمثابة “جريمة ضد الإنسانية”، إضافة إلى كونها جريمة “معاملة لا إنسانية” أي “جريمة حرب” بموجب اتفاقية روما للعام 1998 المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية.
رابعاً: الفلسطينيون استوفوا الشرط المطلوب باستيفاء جميع الإجراءات المحلية من خلال التوجه إلى ما يُعرف باسم “محكمة العدل العليا” في العام 2017، والتي لم تشرعن للاحتلال “حجز الجثامين” لكنها منحت السلطات مدة ستة أشهر لوضع قانون يسمح لها بحجز هذه الجثامين، ولكن “السلطات” لم تتجرأ إلى الأن على سن هذا القانون.
ومن هنا نخلص أن ما بين أيدينا قضية عادلة يجب علينا إنجاحها!
لذلك هناك إجراءات يجب على الحكومة والمجتمع الفلسطيني القيام بها نصرة لأهالي الشهداء، منها:
- على الحكومة الفلسطينية أن تتوجه للحكومة السويسرية للدعوة إلى مؤتمر يجمع كافة الدول الموقعة على اتفاقيات جنيف لبحث الأمر، وإلزام “الكيان الاحتلالي” للقيام بواجبه كسلطة احتلال، أو معاقبته.
- رفع هذا الملف المستوفي الأركان إلى السيدة “المدعي العام” لمحكمة الجنايات الدولية لمعاقبة الاحتلال عن جرائمه السابق الإشارة اليها، وذلك إما من خلال الجهات الرسمية الفلسطينية أو الشعبية.
- تشكيل لجان ضغط على مستوى عالمي لمطالبة “سلطات الاحتلال” بالإفراج عن جثامين الشهداء على غرار حملات المطالبة بالإفراج عن معتقلي الرأي والضمير عالمياً.
- أخيراً الاستمرار في فضح جرائم الاحتلال دون هوادة، حتى تحقيق الإنصاف للمضطهدين من أبناء الشعب الفلسطيني.
لا أدري كيف لنا أن نتوانى عن القيام بهذا الواجب لمن هم أكرم منا جميعاً حتى يهنئوا بحضن الوطن، ويغفوا على تلاوة وصلواتِ أحبابهم، لأنهم كما يراهم شاعرنا “محمود درويش” في رائعته في حضرة الغياب:
رأيت الشهداء واقفين،
كلٌ على نجمته،
سعداء بما قدّموا للموتى الأحياء من أمل.