أدب السجون (الخصائص والمميزات) بقلم  الأسير المحرر الدكتور رأفت حمدونة

أدب السجون (الخصائص والمميزات)

بقلم  الأسير المحرر الدكتور رأفت حمدونة

الأدب أحد أشكال التعبير الإنساني عن مجمل عواطف و أفكار و خواطر و هواجس الإنسان بأرقى الأساليب الكتابية التي تتنوع من النثر، إلى النثر المنظوم، إلى الشعر الموزون، لتفتح للإنسان أبواب القدرة للتعبير عما لا يمكن أن يعبر عنه بأسلوب آخر().

وأَدب السجون والمعتقلات في فلسطين جزء لا يتجزأ من الأدب العربي، الذي يتطلع للحرية، وهو من أصدق أنواع الكتابة، سواء كان ذلك على مستوى النثر أو على مستوى الشعر، واختلفت التسميات حول النتاج الأدبي في باستيلات العدو، فذهب البعض لتسميته “بأدب الحرية”، أو “بالأدب الاعتقالي”، وحرص آخرون على صبغه بمفاهيم إيديولوجية، فأطلقوا عليه ” الأدب الأسير”، وذهب آخرون إلى تسميته “بأَدب السجون”، ولكن الجميع مجمعون على أنه يندرج تحت عنوان:”الأدب الفلسطيني المقاوم”().

وأدب السجون لم يكتب في الصالونات المكيفة، أو في الحياة المرفهة والبساتين التي تصدح في سمائها الطيور المغردة، بل كتب في أجواء من الألم والأمل، وفي ظل المعاناة والصبر والتأمل داخل محرقة العدو()، بين الجدران، ومن خلف القضبان، وثمة فرقٌ بين من يكتبون في الصالونات ومن يكتبون في المعتقلات، ففي الحالة الأولى يأتي أدبهم عاديّاً، أمّا في الحالة الثانية، فيضئ أدبهم بإشراقات جمالية، تضفي حياة روحية متوقِّدة، حيث أن المعاناة والألم مصدراً وحاضنة دافئة للعطاء والإبداع، المشع على طريق الحق والخير والجمال، حيث تتفجر الطاقات الإبداعية من خلال ممارسات القمع اليومية للسجان في أقبية السجون، التي شكلت تربةً خصبة لتفتُّح هذا الإبداع ().

في هذه الدراسة سيتطرق الكاتب لأدب السجون وتفصيلاته، نشأته وعوامل ظهوره، وظروفه ومميزاته، وسماته الجمالية، وأبرز التجارب الأدبية، والكتابات الإبداعية من الشعر والنثر والرواية والقصة والخاطرة والمسرحية والرسالة.

أولاً، تعريف أدب السجون:

يعتقد الباحث أن أدب السجون جزء لا يتجزأ من الأدب العربي، والأدب الوطني، وأدب المقاومة، والأدب الفلسطيني، وأن الأديب الأسير يحمل صفات الأديب بالمعنى والمضمون، وللإيضاح أكثر وجد من الأهمية بمكان التطرق لتلك التعريفات بالقليل من التفصيل:

  • الأدب: “هو ما عبر عن معنى من معاني الحياة بأسلوب جميل، أو هو الكلام الذي ينقل إلى السامع أو القارىء والإنفعالات النفسية، التى يشعر بها المتكلم أو المنتج ” وهو العلم الذي يضم أصول فن الكتابة النثرية والشعرية المتأثرة بالعاطفة والمؤثرة في العاطفة، والأدب فكرة وأسلوب، مضمون وشكل، فهو فكرة من واقع المجتمع أو من أحلامه، وهو أسلوب فيه براعة وجاذبية ورشاقة وموسيقى، فيتكون من ذلك كله أدب أمة وأدب شعب().
  • الأدب العربي القديم: هو الأدب الذي نشأ في الأرض العربية منذ ما قبل الإسلام، ويرجع الأدب العربي إلى قرنين قبل البعثة المحمدية، وبالتحديد إلى إلى ما بعد القرن الرابع الميلادي.
  • الأدب العربي الحديث: هو أدب حركة التجديد والإحياء التي دعيت بعصر النهضة منذ القرن الثامن عشر، ونشأ نتيجة الأحداث السياسية أدب وطني للدفاع عن الدول العربية، وأدب قومي يدعو إلى توحيد النضال لطرد المستعمر().
  • الأديب: هو الكاتب المتفرغ للكتابة الأدبية، والمتمكن في لغته، وعلوم اللغة جميعاً، والمثقف ثقافة واسعة في تاريخ أدبه، وتاريخ آداب كثير من الأمم، ولاسيما المشهور منها، والمطلع على المذاهب الفكرية والمدراس الأدبية، وكلمة الأديب واسعة تشمل الشعر والنثر، كما تشمل الدراسات الأدبية والنقدية، وهي أوسع من كلمة روائي، أو مسرحي، أو شاعر، وليس بسهولة للمطالع والقارىء أن يحظى بهذه الصفة، ما لم يثبت أهلية وجدارة وجرأة في الكتابة، وحسن إنتاج، والأديب متخصص أحياناً في مجال أدبي معين، وقد يتسع به الأفق فيكتب في كل مجال ().
  • الأدب الوطني: هو الذي يشمل كل جنس أدبي، من شعر أو نثر أو خطابة أو مقالة، ويرصد منازع الشعب العربي ضمن هذا النطاق، ويصور مشاعره ومطامحه، وآماله، وآلامه، وهو المعبر عن قضايا الشعب الذي يقطن قطراً معيناً، ويطلق الأدب القومي على كل ما يتصل بالوطن العربي الكبير، وظهور الأدب الوطني سبب الاحساس بآلام الوطن، والغيرة عما يعتريه من أمراض وتفكك وتقصير()، ويرى الباحث أن أدب المقاومة في زمن الاستعمار يأتي في سياق مفهوم الأدب الوطني والأدب القومي الحديث سعياً للحرية.
  • الأدب العربي المعاصر في فلسطين: هو تراث فكري ثمين وثروة فنية ضخمة، وحلقة في سلسة الأدب العربي المعاصر، وعلى الرغم من أهمية هذا الأدب وسمو قيمته الفنية لم تتجه إليه عناية الدارسين من مؤرخي الأدب، ونقاده والمتخصصين في الدراسات الأدبية، ويرجع ذلك إلى ظروف فلسطين قبل الكارثة وبعد حدوثها حيث حالت تلك الظروف دون تسليط الأضواء على أدبها بفنونه المتعددة وألوانه المختلفة ().
  • أدب المقاومة: هو الأدب الداعي للحرية والتخلص من العبودية، ” فعلى مدى الأجيال كان الأدب أكثر الفنون التصاقاً بالثورات، وأقواها جميعاً في التعبير عنها، وما من ثورة عرفها التاريخ إلا كان الأدب هو الممهد لها، بالخطبة والقصيدة، وبالمقال والقصة والرواية وما إليها، ثم كان بعد قيامها هو الداعي لها والناشر لمبادئها، والمدافع عنها ضد مناهضات الخصوم والأعداء، فإذا استقر أمرها كان الأدب هو الراصد لمسيرتها، والمسجل لخطواتها، والمعبر باستمرار عن تأييد المجتمع لها أو سخطه عليها ” ().
  • أدب السجون: يرى الأدباء والنقاد أن أدب السجون()، هو الذي يكتبه الأسرى في المعتقلات، ويستوفي الحد الأدنى من الشروط، وما يكتب عن السجون والأسرى خارج السجن من غير الأسرى أو من المحررين لا يُعَدْ أدب سجون، وممكن تسميته ” أدب عن السجون”()، هنالك الكثير من الأدباء ممن اجتهدوا في تعريف ” أدب السجون ” ()، وجميعها متشابهة في مضمونها وأصولها، ومختلفة قليلاً على الحدود والمساحات، والأجناس والتصنيفات.

واستناداً لكل ما سبق من تعريفات يرى الباحث أن أدب السجون في فلسطين هو أدب مقاومة، وهو جزء من الأدب العربي المعاصر في فلسطين، والأدب الوطني والقومي، والأدب العربي والعالمي الحديث، لما يحمل من مميزات وخصائص، وحس إنساني وعاطفي، ورقة مشاعر وأحاسيس ومصداقية، وقدرة على التعبير والتأثير، وهو كل ما كتبه الأسرى داخل الاعتقال وليس خارجه، بشرط أن يكون من أجناس الأدب كالرواية والقصة والشعر والنثر والخاطرة والمسرحية والرسالة، ويفرق الباحث بين ” أدب السجون ” المستوفي للشروط الأدبية، وبين ” أدبيات وإنتاجات الأسرى الأخرى ” التي كتبوها داخل الاعتقال، كالدراسات السياسية، والأبحاث التاريخية والأمنية والفكرية، والكتب في مجالات متنوعة، والترجمات من الصحف الإسرائيلية وغير ذلك من المجالات غير الأدبية.

فيشكل موضوع اعتقال المناضل ونقله من حياة الحرية إلى حياة السجن، مجرد انتقال بالمكان بالنسبة للمعتقل السياسي، وهو يحرص دائماً أن يجعل من قضية اعتقاله ووجوده في السجن مناسبة لطرح قضيته الأكبر والأساسية التي آمن بها واعتقل من أجلها، وفي مختلف التجارب التي مررنا بها في أدب السجون نجد على الدوام بأن المعتقلين السياسيين يشكلون لجنة هدفها إيجاد مختلف الوسائل للاتصال بالعالم الخارجي لكي تطرح عليه قضية اعتقالهم().

والمشترك لكل الشهادات والمذكرات والأعمال الأدبية التي خرجت من السجون للأسرى السياسيين بشكل عام هو التصوير الحي والمكثف لصمود الإنسان الأعزل إلا من قناعاته في وجه آلة القمع وأساليب البطش، وتصوير شكل الصراع القائم بين الجلاد في مواجهة المناضل، السياط والكهرباء في مواجهة العقيدة والايمان، محاولات الإذلال والتركيع في مواجهة محاولات التصدى والصمود، الفرد في مواجهة السلطة.

إن كافة وسائل التعذيب الجسدي والنفسي التي يستخدمها الجلاد أو المحقق تستهدف كسر إرادة المناضل، وفي المقابل فإن المناضل يريد أن يحافظ على شيء واحد هو استمرار قدرته على المقاومة، وبذلك يرى الباحث أن أدب السجون يندرج تحت إطار أدب المقاومة في التعريف والمضمون().

ولقد أمدنا التاريخ العربي بذاكرةٍ خصبة أثراها عشرات بل مئات الشعراء الذين أُسِروا، وكتبوا قصائدهم في غياهب السجون()، كما يجدر التنويه أن أدب السجون ليس حكراً على الفلسطينيين والعرب فقط، بل هناك آخرون كتبوا داخل الاعتقال()، ولعل أشهرهم الروائي الروسي فيدور دوستوفسكي الذي كتب في العام 1962م كتاب ” ذكريات من منزل الأموات ” بعد تجربة اعتقالية لأربع سنوات خاضها في سجن ” أومسك بسيبيريا “، وبعد خروجه من السجن قال ” لطالما باركت القدر الذي وهب لي أن أعاني هذه التجربة التي كان لها فضل كبير علي” ()، وأمثلة أخرى.

ثانياً- العوامل التي ساعدت في ظهور أدب السجون الفلسطيني:

وصف أ. د. صادق أبو سليمان () ” أدب السجون ” بما يصوغه الكاتب الأسير في السجون وهو يحيا في مكان بئيس لا يوفِّر لساكنه إلا أبسط المتطلَّباتِ التي تحفظُ له حياته، والذي يخرج من محْبسين: محبس السجن، ومحبس معاناة الأديب الذي ينسج التجربة الأدبية كلمات وجملاً وصوراً بديعة مفعمة بحيوية الانفعال، وصدق التجربة والمشاعر؛ والأديب الأسير الذي ينهل من مصدر المعاناة في سبيل الحرية().

و”أدب السجون” فرض نفسه كظاهرة أدبية في الأدب الفلسطيني الحديث، وبرز قبل احتلال الخامس من حزيران/ يونيو 1967م، فالشعراء الفلسطينيون الكبار محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد()، أَثْروا الساحة الأدبية بهذا الأدب المقاوم، ولعل أبرز سماته تتمثل في التَّمَسُّك بالأرض، والتغني بالحرية، وحب الوطن، والالتزام والصدق المقاوم، الذي تجلى في نصوصهم، فأُطلق عليهم: رواد شعراء المقاومة الفلسطينية، الذي اتسم بالبعد العربي والبعد العالمي كقصيدة:”الثوار ينشدون”، لراشد حسين، و”أنا عبد” لفوزي الأسمر، موجهة لشعب إفريقيا، ولسميح القاسم عدة قصائد عن باتريس لومومبا، وإفريقيا، وزنوج أمريكا، ومقطع اسمه بطاقات إلى ميادين المعركة، وهي سلسلة من القصائد القصيرة موجهة إلى المغني الزنجي بول روبنسون، وفيدل كاسترو، وكريستوف غبانيا، وثوار الفيتكونغ، ولعل أبزها قصيدة محمود درويش”عن الأمنيات” ().

وهنالك عدة عوامل ساعدت على الكتابة الأدبية لدى الأسرى وأهمها:

  • دخول الكتب الأدبية للسجون في العام 1972م، وتوافرها في نهاية السبعينيات، والتي مثلت العصر الذهبي للأسرى على الصعيد الثقافي بشكل عام، والطفرة الأدبية الاعتقالية بالشكل الخاص، “في هذه المرحلة ازدهرت القراءات الأدبية لتشمل طيفاً واسعاً من الأدباء على مستوى العالم، ابتداءً من غسان كنفاني واميل حبيبي في مجال الرواية، مروراً بنجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وطه حسين والطيب صالح، وانتقاله تولستوي، وديستويفسكي وتورجنيف ومكسيم جوركي، وكتاب الأدب السوفيتي اللاحقين، والعودة إلى شكسبير وتشارلز ديكنز وفيكتوهوجو في أوروبا، والانطلاق نحو الأدب الأمريكي وخصوصاً أدب جون جون شتاينبك، وارنست همنجواي، وكتاب آخرين من قوميات وتجارب وأجناس مختلفة في مجال الرواية والقصة والشعر والمسرح، والتي شكلت جامعاً ممتعاً ومصدراً غزيراً للمعارف والاستمتاع() “.
  • تنامي قوة الحركة الوطنية الأسيرة، وتطور أساليب الإسناد الجماهيري لها، ما أدى إلى لجم شراسة القمع الجسدي والفكري، وخفف من حدة القهر الممارس ضد الأسرى.
  • التلفاز واضطرار إدارة السجن إلى السماح بإدخاله في غرف السجن، ما أتاح للمعتقلين الاطلاع على العالم الخارجي من خلال الاطلاع على بعض البرامج الأدبية والفنية في الفضائيات العربية التي سمحت بها إدارة مصلحة السجون، ثم عادت ومنعت بعضها ضمن سياسة التضييق.
  • دور المجلات والنشرات والصحف التي كان يصدرها المعتقلون، واهتمامهم بنشر النصوص الأدبية والقصائد الشعرية في مجلات أدبية خاصة ” كصدى نفحة، والصمود الأدبي.
  • نشر أعمال بعض المعتقلين خارج أسوار السجن بعد تهريبها بطرق مختلفة ().

ويرى الباحث أن تطلع الأسير للحرية، وملء الوقت بالاهتمامات الثقافية وخاصة الأدبية، اليى تحمل الأسير نحو الأفق الواسع والممتد بلا نهايات، وتحلق بروحه نحو الفضاءات الرحبة، والخيالات اللامحدودة، والتي تمثل تحدياً لمشروع السجان الساعي لحصر جسده وروحه في أمتار بل سنتيمترات معدودة ليبقى معتقل الظروف والسياسات والإحساس بالمعاناة والعذابات، كانت عوامل معنوية للعيش في كنف الحياة وصناعتها من لا شىء، ولا يمكن استبعاد عامل التحفيز والتشجيع والمنافسة من قبل المؤسسات الفلسطينية والعربية والدولية بقضايا الأسرى، وأهمها جائزة الحرية السنوية التي تعلن عنها هيئة شؤون الأسرى والمحررين في مجال ” الرواية والقصة والفيلم والبوستر والأغنية “، والتي شجعت الأسرى على المشاركة فيها، في ظل سهولة التواصل مع الخارج مع تهريب الهواتف النقالة التي سهلت تصوير ونقل أدبيات الأسرى لكل مكان، ولعل من أبرز الاهتمامات والأجناس الأدبية التي اهتم بها الأسرى في السجون:

  • المجلات الأدبية:

اهتم الأسرى بأدب السجون، وشجعوا الكتاب والأدباء من خلال إنشاء عدد من المجلات الأدبية، إضافة إلى المجلات الثقافية العامة كنفحة الثورة التي خصصت صفحات أو ملاحق أدبية، ومن أبرز المجلات الأدبية:

  • الصمود الأدبي: والتي صدرت في سجن عسقلان في العام 1986م().
  • صدى نفحة: والتي صدرت في سجن نفحة في العام 1989م، كنشرة أدبية ().
  • مجلة “الهدف الأدبي”: في معتقل عسقلان، والتي صدرت عام 1981م ().
  • مجلة “إبداع نفحة”: والتي صدرت عن اللجنة الثقافية الوطنية في معتقل نفحة ().
  • مجلة “النهضة”: حطمت قمقم الفئوية التنظيمية، وخرجت بثوب وطني عام بدءاً بهيئة تحريرها، مروراً بموادها وانتهاءً بتوزيعها والإقبال على قراءتها، والتي عكست الأبعاد الحقيقية للتغيرات الكيفية التي أصبح عليها العامل الذاتي في أوساط المعتقلين والتي انسجمت بدرجة نضجها مع نضج العامل الموضوعي دائم الحضور().

وعمل الأسرى بشكل جدي في الثمانينيات من القرن العشرين، على تهريب نتاجهم الأدبي خارج الأسر، واهتمت الصحف والمجلات الفلسطينية والعربية والعالمية، بنشر نتاجهم، وكان من أهم الصحف والمجلات التي نشرت أعمالهم الإبداعية: البيادر الأدبي، والشراع، والكاتب، والفجر الأدبي. كما عملت دور النشر والمؤسسات الثقافية والحزبية على نشر إبداعات المعتقلين في كتب().

  • شعر الأسرى:

الشعر فن يعتمد الصورة، والصوت، والجرس، والايقاع، ليوحي باحساسات وخواطر، وأشياء لا يمكن تركيزها في أفكار واضحة للتعبير عنها في النثر المألوف والمعروف، والموهبة الشعرية ملكة ذاتية، وبذرة تنمو داخل الشخصية المتميزة عاطفياً أو عقلياً ()، ويشكل شعر الأسرى الفلسطينيين، أنموذجاً هاماً من نماذج شعر المقاومة، وذلك لأن معظم أدباء فلسطين وشعرائهم سواء من داخل الأراضي المحتلة في العام 1948م، أم من الأراضي المحتلة في العام 1967م، دخلوا السجون والمعتقلات الإسرائيلية ()، ويتميز شعر المعتقلات بكونه مقاوماً، جاء من أتون معركة ضارية بين الأسرى وبين إداراة قمع السجون بأجهزتها المختلفة، إزاء ذلك انبرى الشعراء ممن نضجت قرائحهم، وتفجّرت مواهبهم الشعرية، ليقفوا في مقدمة المجابهة ؛ ليعبّروا عما يختلج في نفوسهم من ألم وحزن وأسى.

وعليه فإننا لسنا أمام شعر باكٍ شاكٍ ضعيف حزين، يرسل الدمع مدرارًا، وليس شعرًا صاخبًا يواجه واقعه بالصراخ، بل نحن أمام شعر مقاوم ملتزم، ولعل أبرز ما يلحظ في هذا الشعر وحدته الموضوعية ؛ إذ تتلاحم قصائد الشعراء الأسرى تلاحمًا عضويًّا، كونه انطلق من ظروف واحدة، وهدفه واحد، ويمتاز أيضاً بكثرة استخدام الرمزية، كوسيلة ناجعة تختصر المسافات للوصول إلى المعنى العميق في نمط موجز موح، فإن هناك حاجة أمنية لهذا الشعر؛ لأن القصيدة الصريحة تعدّ جرمًا يعاقب عليها قانون الاحتلال الإسرائيلي ؛ لهذا السبب نجد الشاعر الأسير أكثر من غيره استخدامًا للرمز ؛ هروبًا من عقاب جلاديه، وتضليلاً لمحاكمه العمياء.

وجاء هذا الشعر أيضًا موجزًا، تعرض فيه المعاني المتدفقة في ألفاظ قليلة، مع الإبانة والإفصاح عنها، ويتسم شعر الأسرى بالسهولة والبساطة والوضوح؛ فشعرهم نراه يجري مجرى الماء في النهر سلاسة وسهولة ويسرًا وبساطة وعذوبة ().

ولقدْ تميزت الأعمال الشعرية للأسرى الفلسطينيين بأنها الأغنى والأكثر شمولية وزخماً من حيث الكم والكيف بينَ تجارب الشعوب وحركات التحرر، ويعود ذلك إلى ارتباطها بالقضية الفلسطينية وتحرير فلسطين، وطبيعة الاحتلال الإسرائيلي الذين تعرضوا له.

وكان التعبير بالشعر البدايات الأولى في إبداع الأسرى، فهو أسرع الأنواع الأدبية استجابة للتعبير عن المعاناة، لهذا لجأ عشرات من الأسرى إلى المحاولات الشعرية التي تترجم مشاعرهم وتعبر عن مكنونهم النفسي()، فهو شعراً مغلفاً بالحلم الشفاف، وجاءت العبارة فيه هائمة أثيرية()، لذا فإن النفس تتعشق هذا الشعر وتحبه، وتميل إليه، لأنه يخاطب القلب والعقل، وترتاح له النفوس، وتنشرح له الصدور، فكأن الشاعر في هذا الشعر يتحدث عن نفسه، وكأن هذا الشعر جزء منه ()، ولقد برز عدد كبير من الشعراء داخل المعتقلات().

  • الرواية والقصة:

الرواية هي فن سرد الأحداث والقصص، تضم الكثير من الشخصيات، وتختلف انفعالاتها و صفاتها، وهي أحسن و أجمل فنون الأدب النثري، وتعتبر الأكثر حداثة في الشكل و المضمون، وتتميز بالتشويق في الأمور والمواضيع والقضايا المختلفة سواء أكانت أخلاقية أو اجتماعية أو فلسفية، والقصّة القصيرة: تمثّل حدثاً واحداً، في وقتٍ واحد، وزمانٍ واحد، وهي حديثة العهد في الظّهور()، وهي وثيقة بشرية مستقاة من الخيال والملاحظة والتأمل وممثلة لواقع حقيقي أو متخيل، وتُعنى الرواية بموضوع الأدب أي الإنسان والعالم()، وهي أنواع متعددة، والقصة القصيرة جنس أدبي متميز بالاقتصاد في التعبير وتصوير الحدث أو اللحظة الزمنية العابرة، بلغة وصفية درامية ()، ولقد اهتم عدد كبير من الأسرى بكتابة الرواية في السجون، ومن الأهمية بمكان أن يشار للتأريخ إلى رواية ” وابور الكاز ” كأول رواية في أدب السجون ().

وتعد الرواية من أكثر الأجناس الأدبية المعبرة عن حالة الاعتقال قياساً بالأجناس الأدبية الأخرى التي خرجت من رحم السجون()، ولقد برز عدد من كتاب الرواية من الأسرى ولعل أبرزهم الروائي الأديب وليد الهودلي الذي كتب عدد من الروايات أشهرها رواية ستائر العتمة “جزأين” و التي عالجت موضوع تجربة التحقيق والاعتقال وظروف السجن، وقد طبع الجزء الأول منها ثماني طبعات، أربعون ألف نسخة، والتي لم يسبق لرواية فلسطينية من داخل السجون وخارجها أن تنشر بهذا الكم، وتم تحويلها إلى فيلم في العام 2015م().

  • المسرحية:

المسرحية جنس أدبى متميز يمثل على خشبة المسرح، وهي مؤلف من الشعر أو النثر يصف الحياة أو الشخصيات، أو يقصص قصة بواسطة الأحداث عن طريق الحوار ويتكون عادة من عدة فصول والتي بدورها تتكون من عدة مناظر()، وتثير الضحك بأسلوب أنيق بعيد عن التهريج، وتنطلق أحياناً من تصوير الطبائع وتصادمها، وما ينتج عن تناقضها وتصادمها من مواقف هزلية وساخرة معاً ()، ويعالج المسرح الموضوعات الشائعة في الفنون الأدبية الأخرى، وبخاصة القضايا المتعلقة بطبيعة الإنسان، وما يصدر عنه من أفعال وما يعتمل في داخله من مشاعر وأحاسيس وأفكار()، واهتم بعض الأسرى بالمسرحية في نهاية السبعينيات، ففي هذه المرحلة برزت محاولات لتأليف المسرحيات القصيرة، والتي كانت تعرض في الأمسيات الأسبوعية الترويحية، أسهم في إيجادها ونشطها انعدام وسائل التسلية، والشعور بضرورة إيجاد وسائل ترفيهية ترويحية تزيل التوتر وتقتل الرتابة، وتشكل في الوقت ذاته محاولة فنية لإعادة شحن الأسرى بالطاقة والنشاط لاستقبال أسبوع جيد، كما جرى استغلالها لتعميق الوعي وتطوير المعرفة ومعالجة بعض القضايا الواقعية ().

وكانت تمثل في غرف زنازين بئر السبع التي كانت تتسع لسبعين أسيراً مسرحيات من بينها مسرحية “زنبقة الدم” التي تعالج حكاية فتاة جرى اغتصابها من دخلاء على الثورة في القطاع، وقد جرى تمثيلها على خشبة مسرح نصبوه من البطاطين()، وقامت الأسيرات في سجن “نفيه تريتسا” بتقديم المسرحيات عرف منها مسرحية ” فدائى جريح “، وعادة ً ما يقوم المعتقلون بعمل مسرحيات يكتب نصها أحدهم أو يشترك فيها أكثر من واحد، ويتم توفير مواد الديكور من أشياء الغرفة ()، ومن الطبيعي أن إدارة السجن لا تقبل بهذا النشاط الذي يمثل تحدياً لها، واستهانة بها، لكن المسرحيات والحفلات تقام ليلاً ().

ويرى الباحث أن الأسرى تأثروا بالمسرحية كفن مع دخول التلفاز للسجون، وخاصة ما كان يعرض على التلفزيون المصري والأردني، ولم ينتشر هذا الفن ” تمثيل وكتابة ” كأحد أجناس أدب السجون بالشكل الكبير، ولم يعرض إلا في الاحتفاليات والمناسبات والأمسيات وفي غالب الأحيان داخل الغرف، ولقد برز عدد قليل من كتاب النصوص المسرحية قياساً بالألوان والأصناف الأخرى ().

 

  • الخاطــرة:

أبدع الأسرى في كتابة الخاطرة الأدبية كنثر أدبي صيغت فيه الكلمات ببلاغة وامتاز بكثرة المحسنات البديعية من صور واستعارات وتشبيه، والتي تصنف أدبياً في موقع بين القصة القصيرة و الشعر الحر وهي ثلاثة أنواع “الخاطرة الرومانسية، والخاطرة الوجدانية، والخاطرة الإنسانية ” وكتب الأسرى في الثلاثة وأكثرها “الإنسانية” التي تركز على قيم الصداقة والأخلاق الفاضلة والتضحية والوطنية.

وعدد كبير من الأسرى من اهتموا بهذا اللون من الأدب، وكانت لهم مجموعات من الخواطر كتبوها في عتمات الليل، ولبعضهم البعض، وخلال المراسلات، والمسابقات، والمجلات الأدبية ().

  • الرسالة:

هي ما يكتبه امرؤ إلى غيره معبراً فيه عن شؤون خاصة أو عامة، وقد يتوخى فيها البلاغة والغوص في المعاني الدقيقة فيرتفع بها إلى مستوى أدبي رفيع ()، واستطاع الأسرى الفلسطينيون في السبعينيات بعد الكثير من الخطوات النضالية بانتزاع حق مراسلة ذويهم عبر الصليب الأحمر الدولي، ومن ثم عبر البريد الرسمي، وبدأت الموافقة بحصر الرسالة بأقل من عشرة سطور، ثم تطورت لتصل فرخ من الفلسكاب كبير الحجم أكثر أو أقل.

ومع مرور الوقت مع تطور الإمكانيات الأدبية للأسرى تحولت رسائل المعتقلين إلى أشبه بنصوص أدبية حملت مشاعرهم، وعبرت عن أفكارهم، خاصة وأنهم كانوا يلجأون إلى الأسلوب الأدبي وإلى الاستعارات والألغاز والتمويه على الرقيب، لكن البعض كان يعتمد الأسلوب الأدبي، بعد فتح المواهب والقدرات الأدبية خلف القضبان ().

ولقد وصلت الرسالة إلى أعلى مراحل تطورها، عندما تحولت من وسيلة إخبارية مباشرة تحمل السلامات إلى الأهل، إلى نصوص أدبية راقية، حيث أن بعض الرسائل صيغت على شكل قصائد شعرية، أو خواطر أو قصص قصيرة، أو نصوص أدبية مفتوحة، بخاصة عندما مازج وزاوج مرسل الرسالة بين الخاص والعام، أو عندما صقلت أقلام عدد لا بأس به من الأسرى وتطورت بشكل لافت، وأصبح أصحابها يعبرون عما يجول في صدورهم أدباً().

كما وتمثل رسالة المعتقلين قيمة أدبية ونضالية وتاريخية، يمكن من خلالها الوقوقف على مراحل التجربة الاعتقالية وخصائصها، والتعرف على ظروف ومستوى تطور المعتقلين، لذلك فإن دراسة هذه الرسائل تشكل مهمة وطنية وتأريخية وأدبية في آن واحد، ولقد شكلت الرسالة نافذة للمعتقل المناضل على أسرته ومجتمعه والحياة، وصلت في سطورها وتعابيرها مضامين اجتماعية وسياسية وتربوية ونفسية وفكرية، وارتقت من الجانب الإخباري إلى التحليلي، وبعضها ارتقى إلى الإبداعي، وحصل بامتياز على درجة رفيعة في عالم الأدب والإبداع ().

اختلف النقاد والمختصون في مكان الرسالة وإرفاقها بأدب السجون، ويرى الباحث أنها تستحق بجدارة أن تكون في صدارة هذا اللون من إنتاجات وأدبيات الأسرى، التي اهتم وحرص وتبارى الأسرى وتألقوا في صياغتها وتراكيبها البلاغية والأدبية، وقد أرفقوا على هامش سطورها بصور الورود والعصافير والرسومات والرموز الجمالية الأخرى.

  • الفن والغناء والموسيقى:

اهتم الأسرى بالفنون المرتبطة بأدب السجون، وتم تلحين الكتابات الأدبية، والقصائد الشعرية، على صورة زجل وأناشيد وأغاني وطنية، وكان للتراث الشعبي مكانة خاصة ومرموقة بين أسرى الثورة، فالدبكة والزجل انتشرا في كل السجون، ولا يخلو سجن من مناضل أو أكثر لديه القدرة على تأليف الزجل العاطفي والسياسي، كما كان المعتقلون ينظمون حفلات غنائية، مرة واحدة أسبوعياً، وتكون حفلات ممتعة وشيقة للجميع ().

وفي العام 1984م كانت الاحتفالات في السجون قد أخذت شكلاً جديداً، فقد تضمنت الفقرات أغاني ودبكات شعبية ورفع للاعلام الفلسطينية ()، وغلب اللون الحزين على الأغاني والمواويل ليعكس الحجم المذهل المختزن في أعماق الأسرى، ويعكس توجعاً إنسانياً من الظلم الاجتماعي والقمع الاحتلالي، والحرمانات اللانهائية، وكثيراً ما كنت تجد الأغنية والنشيد الوطني يتبع الموال الحزين في جدلية مميزة، كان الأسير يفتح جرحه ثم يداويه، غالباً ما كان المغنى الأسير يؤدي ما هو موجود من أغاني ومووايل، لكنه أداء يحمل بصماته الخاصة، وبعضهم ألف الأغنيات ذات الطابع الشعبي، وبدرجة أكبر المووايل.

أشاعت الأمسيات الفنية المتواضعة الدفء في طقس السجن البارد دوماً، حيث الأغنيات والأشعار تحمل الأفئدة المعذبة إلى عالم آخر بدون قيود وبدون حرمان، وتعالت في هذه الأمسيات الضحكات كأنها تغسل ولو للحظات حزناً لا يفارق الواقع ().

ولقد تركت زجليات الشهيد راجح السلفيتي خاصة تلك التي أنتجها داخل الأسوار الأثر العميق في وجدان الأسرى، وكانت عاملاً يقتدى به في عملية إعادة صياغة التربية، خاصة تلك القصائد التي تحض على استيعاب أسرار النضال والصبر على الشدائد ().

وتنطبق هذه الصورة على سجن الأسيرات، حيث أن الأسيرات يقمن أيضاً بالأناشيد الوطنية وبصوت وطني ثوري، وكثيرة هي المرات التي يسمع فيها الزوار والمعتقلون المرضى في مستشفى سجن الرملة أصوات المناضلات الأسيرات الملىء بالحماسة والمعبر عن حب الوطن والالتصاق بالقضية().

وأوجد المعتقلون لأنفسهم فضاءات جديدة، فعلى صعيد الموسيقى سادت موسيقى الشبابة، والمجوز، والأرغول، باعتبارها الأدوات الموسيقية الوحيدة التي كان يمكن للمعتقلين صنعها من أنابيب التمديدات الكهربائية المنتزعة من الجدران، كم كان عذباً صوت شبابة أبو علي الديراوى، ومجوز أبو سلطان، ودبكة أبو حامد الرفاتي، وأغاني محمود البرغوثي التي كانت تذكرنا بالمرحوم نصري شمس الدين().

وفي العام 1985م صنع الفنان الأسير عوني الخروبي الذي تواجد في سجن غزة وعسقلان ونفحة آلة الكمان الموسيقية، من طاولة الزهر، وكانت إدارة السجون تصادرها، ويقوم بإعادة صناعتها، وطالب الأسرى بإدخال الأدوات الموسيقية للسجون، فسمحت فقط بإدخال الكمان في سجن غزة، والعود في سجن نفحة للأسير الفنان المرحوم الخروبي، الذي علم بعض الأسرى() ممن تنافسوا فيما بينهم على تعلم العزف، وقام الفنان الخروبي بتلحين أشعار الأسرى التي كتبوها داخل الاعتقال وتم ترديدها في المناسبات والاحتفالات الوطنية في السجون وفي الخارج من قبل الأسرى المحررين “()، وهنالك من كتب القصيدة المغناة في السجن().

ثالثاً- سمات جمالية لأدب السجون:

يتميز أدب السجون بحيوية الانفعال، وصدق التجارب؛ كونه ينهل من مصدر المعاناة النابع منْ ثوار هانت عليهم أنفسهم فهبوا يحملونها على أكفهم ليقدِّموها أضاحي في سبيل تحذير كرامة الوطن وأهله().

وتميزت التجارب الأدبية بالالتزام في السجون بالالتزام بالقيم، والمبادئ، والتناغم مع القضية، في تجاوز الهم الفردي إلى الهم الجمعي والعام، “ومن أهم سمات أدب السجون:

  • العُمْق: يمتاز “أدب السجون” بعمق التعبير في الدلالة والمضمون، وفي الربط بين الفكرة والأسلوب.
  • الرمزية: غالباً ما يلجأ الكاتب إلى الرمز للتعبير عما يعتلج في حناياه.
  • التصوير الفني: كثيراً ما يلجأ الأديب إلى فرط عقود اللغة، وما حوت من جمال وجواهر، ليعيد تشكيل فكرته وشعوره في قالب لغوي جديد، فتعطيك المقطوعات الأدبية لوحات رائقة، أو مشاهد صامته، أو انعطافات على مشاهد حية مُفْعمة بالحركة.
  • البلاغة: الصناعة البلاغية رائجة الاستخدام، كالكنايات والاستعارات والتشبيهات والمجاز المرسل والمحسنات اللفظية والبديعة.
  • الاختزال: أي ضبط الفكرة التي تحتاج إلى فقرات طويلة في فقرة صغيرة.
  • العاطفة المتأججة: فلا تكاد تجد مقطوعة متكلفة المبنى أو المعنى، وإنما منسجمة في معناها ومبناها مع العاطفة التي تحكم القالب اللغوي المستخدم.
  • سعة الخيال: يلجأ الكاتب إلى الخيال في الغالب لاستعارة الصور أو الأحداث، فتتفاعل الفكرة في خياله مع صور إبداعية، بقالب لغوي خاص.
  • الحزن المشوب بالتحدي: فمسحة الحزن لا تكاد تفارق المقطوعات الأدبية على اختلاف موضوعاتها، حتى تلك التي أراد بها صياغة مساحة من الفرح، لا تكاد تخلو من ألم أو آهات أو دموع، فأفراحهم، أفضل ما نعبِّر عنها بالجراح الباسمة.
  • الثقافة الواسعة: حيث يهتم الأسرى بتنمية ذواتهم ومهاراتهم وقدراتهم().

 

 

في نهاية المبحث يعتقد الباحث أن أدب السجون له انعكاسه الكبير والإيجابي على نفسية الأسير والواقع الاعتقالي، كونه يعبر عن ذواتهم وآمالهم وطموحاتهم الشخصية والوطنية، ويخرجهم من ضغوط الاعتقال وأجواء الكبت والقيد إلى عالم الخيال الرحب، وكان لأدب السجون الكثير من التأثير على المجتمع الفلسطيني الذي وجد فيه الصدق في المشاعر، والبعد عن الذات والمصلحة الشخصية إلى الشيء العام والمصلحة الوطنية، وأوصل للقارىء الكثير من الرمزية والتجارب الاعتقالية وتحذير المقاومين في الكثير من النواحي الأمنية والخروقات التنظيمية وتصويبها ووسائل وأساليب التحقيق والتنبيه للغامض فيها، والانتماء والتواصل في النضال حتى تحقيق الحرية.

ويجزم الباحث أن ما هو مجهول من إبداعات الأسرى الأدبية، وما تم مصادرته من قبل إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية، ومن لم يرَ النور بالطباعة بسبب القصور باتجاه أدب السجون لهو أكثر بكثير مما عرف وما نحاول ابرازه وجمعه.

وأن أدب الأسرى فيه ما ليس بغيره من مصداقية، ومعاني إنسانية، وأنه يحمل مضامين مهنية، وبلاغة إبداعية يجعله أقرب للمستمع والقارىء من غيره، واستطاع أن يلفت انتباه المهتمين والأكاديميين والنقاد العالميين على سبيل المثال لا الحصر تناولت الدكتورة نادية هارلو الأستاذة في جامعة تكساس الفن القصصي للمعتقلين الفلسطينيين، وجاء اهتمامها في إطار اهتمامها بالأدب المقاوم على مستوى عالمي، حيث جمعت في دراسة مقارنة العديد من النماذج الإبداعية التي أنتجتها أقلام مقاومة انصهرت في القضايا التحررية لشعوبها.

وليس غريباً أن يكون للأقلام الأدبية التي تعمدت في تجربة الاعتقال حصة لا بأس بها في إصدارات اتحاد الكتاب الفلسطينيين، وفي الملاحق الأدبية والثقافية في الصحف والمجلات المحلية وحتى في الكتب المترجمة إلى لغات أجنبية مثل إصدار اتحاد الكتاب باللغة الانجليزية “نصوص قصة قصيرة ” حيث مثل عدد المشاركين من الأدباء في هذا الإصدار الذين تخرجوا من تجربة الاعتقال “15” من أصل “44” أى ما يقارب الثلث”()، كما أن التجربة الثقافية والإبداعية في المعتقلات حققت إنجازات لفتت انتباه عدداً من الباحثين والدارسين والأكاديميين، على المستوى الفلسطيني والعربي والدولي().

 

 

……………..

الأسير المحرر الدكتور رأفت حمدونة**

أسير محرر أمضى في السجون الاسرائيلية 15 عام ، وحاصل على درجة الدكتوراة : فى ” العلوم السياسية ” من معهد البحوث والدراسات العربية بالقاهرة مع مرتبة الشرف الأولى مع توصية بالطباعة في العام 2016 برسالة تحت عنوان الجوانب الإبداعية في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة .

من مؤلفاته :

ومن كتبه المطبوعة : ” الجوانب الإبداعية للأسرى الفلسطينيين صادر عن وزارة الاعلام الفلسطيني/ رام الله الإدارة والتنظيم للحركة الأسيرة صادر عن هيئة شؤون الأسرى والمحررين / رام الله – نجوم فوق الجبين – صرخة من أعماق الذاكرة ما بين السجن والمنفى حتى الشهادة “.

روايات أدبية مطبوعة : ” عاشق من جنين – قلبي والمخيم-  لن يموت الحلم – والشتات “.

 

 

عن amara

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

%d مدونون معجبون بهذه: