أدب السجون هو الأدب الفلسطيني المقاوم  في سجون الاحتلال الصهيوني..

أدب السجون هو الأدب الفلسطيني المقاوم  في سجون الاحتلال الصهيوني..

فضيل حلمي عبدالله

كاتب وباحث فلسطيني مقيم في سورية

 

لاشك أن الثقافة لدى الشعب العربي الفلسطيني تشكل مخزوناً هاماً يتعلق بالمطالعة والقراءة المعرفية والمثابرة المتواصلة في الحياة اليومية وعلى مدى مسيرته الوطنية النضالية الطويلة بالحياة بكافة أشكالها المتطورة, كما أن التمازج بين الثقافة الوطنية والتي أصبحت تشكل أدباً جديراً حديثاً لدى المناضلين الفلسطينيين,  وخاصة الأسرى منهم والمعتقلين في سجون العدو الصهيوني المحتل ..

وهذه الثقافة أظهرت الجانب الأدبي,  لهذه القضية الوطنية وذلك الصمود الثائر في سجون ومعتقلات العدو الصهيوني الغاشم, وهي ثقافة الأمة العربية والإسلامية جمعاء والتي حلَّ عليها  هذا الكيان المحتل الذي احتل أرضها ونهب خيراتها وسرق ثقافاتها وحضارتها وأقام فوق أرضها كيانه الغاضب, ونتيجة لذلك استطاع الأسرى أن يَصبوا مخزون ثقافي كبير و  متنوع في جميع أشكاله المبدعة, محاولة منهم لإطلاع العالم على قضيتهم بطريقة ثقافية أدبية لها هويتها الفنية والإبداعية الخلاقة, وغيرها من مكونات المورث الثقافي الآخر كالعلم والمعرفة, وفي الوقت ذاته عملوا ويعملون على نقل هذا الأدب الذي أنجبوه, إلى الأمة العربية, وهذا ما سعوا له جاهدين من أجل تأدية واجبهم الوطني والقومي والإنساني على أكمل وجه ليكون ذلك الأدب جسر واصل بين الأسرى والثقافات الأخرى الأصيلة, ومن هنا كان لا بد من وجود تواصل أدبي ثقافي يتأثر مع الأسرى ويتأثر بهم كناتج عن التفاعل النضالي المتواصل والتمازج البطولي من خلال العمل الوطني المشترك, إن هؤلاء الأسرى الأبطال هم نسبة كبيرة إن كانوا على الصعيد الفلسطيني أو على الصعيد العربي لأنهم يقودون المواجهة  من أمام المعركة مع العدو الصهيوني الغاشم, ويجددون ويواصلون العهد حتى تحرير الأرض والإنسان,  وبرغم من ممارسة إدارة سجون العدو المحتل, التعذيبَ والقمع وممارسة سياسة الضغط الجسدي والنفسي ممارسةً قاسية ضد الأسرى  كحرمانهم من النوم ومن تناول الطعام ومن قضاء الحاجة واستخدام أسلوب الهز العنيف والصدمات الكهربائية, وتعريض الأسرى لتيارات هوائية باردة وساخنة, وهناك أشكال تعذيب كثيرة ضد الأسرى, ورغم هذا استطاعوا أن يتسلحوا بالمعرفة والعلم و درسوا اللغات, ومنهم من يجيد اللغة العبرية بشكل جيد, إلى جانب  اللغة الأم, وهناك من أكمل مراحل الدراسات العليا وحصل على إجازة الدكتوراه وهناك أيضاً من هم خبراء في شؤون العدو السياسية, والاقتصادية, وأذكر أسماء بعض الأسرى المحررين منهم, تحسين الحلبي, أحمد أبو هدبه, عماد عوكل, محمد ألركوعي , زهدي ألعدوي, توفيق جراد, وليد الهودلي, أحمد أبوغوش, د.سهام ألبرغوثي, نبيل العناني,عيسى اعبيدو وآخرين كثيرين, كما يسرد لنا الأسير المحرر تحسين الحلبي تجربته النضالية التي قضا منها اثنا عشر عاما في الأسر داخل سجون ومعتقلات العدو الصهيوني سواءً لصفته الشخصية, أو الفلسطينية العامة من خلال تجربته, الغنية,انه تحسين الحلبي ذلك النورسُ الذي خرج من ظلم وظلام السجن متواطئ مع الأدب والعلم والمعرفة,ليواصلَ مسيرةَ النضال بالدفاع عن قضيته فلسطين وأولها قضيةُ السجناءِ والمعتقلين الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال الصهيوني, بل أصبح محارباً قوياً متسلح بسلاح أكثر قوة وفعالية لا تنفذ ذخيرته كما نفذت معه في المغارة قبل أسره في المعركة الدامية والغير متكافئة مع قوات الاحتلال الصهيوني المدجج بالسلاح, انه تحسين الحلبي الفتى الفدائي, الأسيرالمحررالمناضل الكاتب, انه الرافض المتمرد على الوضع القائم خاصة على الجانب التقليدي, السافر الصامت الساكن في زاوية المكان على ما هو عليه من عبثية المفاوضات, والانقسامات, والتفريط بالحقوق الوطنية الفلسطينية العليا, وتدخلات خارجية وداخلية وحروب عدوانية على سورية وشعبها البطل وجيشها الباسل وسيادتها قي الحرية والكريمة من قبل هذه الأنظمة العربية الرجعية والعدو الصهيوني والإمبريالية العالمية, وحلفائها المتآمرين على سورية العروبة قلعة الصمود والتصدي, وعلى قضية فلسطين وشعبها المشرد والمشتت والمحاصر في قطاع غزة وباقي المناطق المحتلة.

كما أن الخطاب العربي الذي لا يُلبي طموحَ الأمة العربية, ولا يحافظ على الموروث الوطني والقومي والثقافي والديني والحضاري, كما هو مقدساً إياه, فبرغم من تلك الصورة المشوهة في ذلك الإطار الغربي وألوانه, إلا أن نمو خطاب النهج الوطني المقاوم, من خلال صمود سورية ومحور المقاومة في وجه المؤامرة المُشَنّةُ ضدها لإضعافِ موقفها الداعم والمساند للأسرى وللقضية الفلسطينية وللأمة العربية والإسلامية الذي يسطر ويؤرخ للحاضر وللمستقبل طريق موروث بأشكال جديدة تعيد إنتاج تاريخ الأمة بطرقة خاصة تبلور خير ما عمل من اجله وتوضح صورة سورية البراقة الذي مازال موقفها الوطني القومي العربي الأصيل الحر كما هو, بل متقدم على الوطن العرب.. هنا تكمن عبقرية التحدي, انه موقف التحدي في الخطاب السياسي وعلى الأرض, وهذا ما أسقط القناع السائد وكشف زيف الخادع الذي يقدمه الخطاب العربي الرسمي عبر شاشات مأجورة, ومنذ أن دخل العديد من مناضلي الشعب الفلسطيني والعربي, المعتقلات الصهيونية, لم يهداء لهم بال, وتحسين الحلبي وهو في  زنازين العدو الصهيوني المنعزلة, دخل مدارس المناضلين, ومدارس الأدب والفن والثقافة والعلم فانخرط في مدرسة تاريخية مع رفاقه المناضلين المبدعين والذين صنعوا من الظلام والظلم والحصار والقسوة التي تمارس عليهم أشكالا إبداعية’ وأسسوا من هذهِ العلاقة الاجتماعية علوماً وأبحاثاً ودراساتٍ متنوعةٍ, يقول تحسين الحلبي: في المعتقل يتحالف السياسي والعسكري يتحالف الشاعر القاص مع رجل الدين والماركسي مع القومي والعلماني مع الناصري والتقدمي مع الوطني, نقف جميعاً وِقفةَ رجل واحد في وجه العدو الصهيوني ,ونبق نعمل في حسابات عجلة التاريخ نتعلم ونعلم نقرأ ونكتب ننسج حياة اجتماعية ثقافية تبقى لنا صرخة مدوية في سنوات العمر كي تشرق في إبداع الحياة نحو نداء الحرية والاستقلال وتحرير الأرض والإنسان. وفي السنة العاشرة من وجوده في الأسر في معتقل لقيادي الاحتلال في مدينة الخليل أعد لي رفاق الزنزانة وكانوا ثلاثة عشر أسيراً حفلا بسيطا بهذه المناسبة وكان معي رفيق الأسر مسعود زعيتر من نابلس فقلت هذه الأبيات: يا رفاق الأسر غنوا/ كي يصير الليل ضوءا/ وظلامُ القيد عزما/ مع جموع الشعب غنوا/ مع تباشير السحَر/عامُنا العاشر ولّىَ/ وبدا الحادي عشر/ يا رفاق الأسر غنّوا للسبية/ لشهيد وطريد وضحية/لأسير لم يساوم ولم يفرط بالقضية/ لن يدوم الأسرُ ما ظل وليد وصبية/ في بقاع النفي عنوان القضية/ يا رفاق الأسر غنّوا/ لبلادٍ ولدتنا منذ أزمان سحيقة/ فسقيناها دموعاً ودماء/ وزرّعنا أرضَنا أسماءنا,/ رايات مجد وضياء/ وبنيناها نذوراً, تضحياتٍ ورجاء/ يا رفاق الأسر غنّوا لعريسٍ/ زُف قهرا للقيودِ/ وكفاحٍ باتَ مهراً لعروس, / صانت العهد فصارت/ رمز حبٍ ووفاء/ لفتاة ودعت زوجاً/ بزغاريد الرُجوله/ ولأم قدّمت أبناءَها/عربون نصرٍ وبطوله/ يا رفاق الأسر غنوا/ لجذورِ الأرض أعناق الشجر/ يهد التاريخ أنّا/ نبضها كنّا وما زلنا لها مثلَ القدر/وعرفنا الله فيها/ قبل موسى قبل عيسى/ قبل آشوروبابل.من مؤلفاته:

– الأهداف الصهيونية في القرن الواحد والعشرين.

– الجليل: أكبر عملية لتبادل الأسرى في تاريخ الثورة الفلسطينية.

– ((إسرائيل))في مواجهة جبريل – كتاب مترجم عن الانكليزية لصامويل كايس وصدرفي نيويورك.

– التسلل الصهيوني إلى أفريقيا وأميركا اللاتينية.

– له دراسات ومقالات في عدد من الصحف والدوريات العربية.

– نائب أمين فرع اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين في سوريا.

وكما يبدو بأن أدب السجون أصبح منهج تاريخي :

ويبدولنا هذا الأدب مرشحاً ليكون منهجاً تاريخياً يقوم على ظاهرة الأدب والنقد في تابعيات المتلقي, و أصبحنا نلمس في هذا الأدب روح الصمود والتحدي والتضحية و له أيضاً نسيج في الأحداث والأشكال الإنسانية , إذ أنّ رسالة الأدب وجدت نفسها باحثة عن رجال مناضلون يساعدونها في نقل مرحلة احتلال واعتقال إلى مرحلة النهضة والحرية والاستقلال والتحرير, بأسلوب ممتع واعتماد العناصر الفنية المؤثرة كالمفاجأة والخيال والحقيقة فأدب السجون هو مرحلة انتقالية وبذلك يكون أدب السجون مرشح للاستفادة مما تم قراءته من القارئ عن النهج والمنهج الأدبي النقدي الحديث الذي كشف للمتلقي وللناقد القوة والضعف في العمل الأدبي, وإذا كان أدب السجون قد امتلك أدوات نقدية من خلال إنتاجه  الإبداعي الذي ظهر في جميع أعماله الأدبية الفلسطينية ..

إن الأسلوب الذي جاءنا به أدب السجون المقاوم, والذي كان بعيداً كل البعد عن التعقيدات والغموض ومبتعداً أيضاً عن المغالطات والألفاظ وحتى المصطلحات الصهيونية, ومن خلال سلسلة وبساطة أسلوبه هذا والذي يجعل القارئ يحيى ويعيش معه أثناء عرضه للأعمال, وغيرالتي يستعملها بعض الأدباء, حيث يجد القارئ صعوبة في تلقيها وفي فهمها, وكأنه يكتب ويضع نصب  أعين القارئ دون أن يحترمَ مستواه المعرفي, ففي أدب السجون نجد أهمية الإبداع وجوهر الصراع بين الحق والباطل بين الجلاد والضحية, ويبقى موضوع الاعتقال أساسياً في هذا الأدب لأن قيمة المأساة  هي في مجمل الفناء التام للاعتقال..

إن علاقة الصراع بين السجين و السجان هي علاقة وجود وصمود وتحدي وهذا ما يمليه عليه شرف الواجب ومن العناصر التي يرتكز عليها السجين هو إيمانه بقضيته التي هي قضية شعب بكل مكوناتها, وأمة سُلبَ حقها, ويعتبر أدب السجون رسالة واضحة للأجيال, وهي التي أتاحت المجال للأجيال القادمة كي تعمل على مواصلة الدرب وتعيد قراءة ماضيها العريق, ومن هنا لا بد أن يسلم بما هو عليه تسليماً قطعياً لأن لكل عصرٍ دولة ورجال, ولكل كاتب ناقد ولكل كتاب قارئ, ولعل أدبَ السجون ذات الرسالة الخالدة الفائدة الكبيرة للقارئ لأن مؤلفوها اعتمدوا على المواجهة المباشرة مع عدوهم, في نهاية المطاف .. إن هذه الحالة تساعدُ المتلقي على معرفة الأصل وتعلمه أدب المقاومة في الدقة والتوثيق واحترام ما هو مفيد ويغني ذهن القارئ بالشواهد المتنوعة بهذا الأدب القيم والذي تمثل بالشعر والقصة, و المسرح والرواية, و المقال الصحفي, والنص النقد, و الفن التشكيلي, ومن شأنه تقديم معلومات ثروة وقيمة للقضية الوطنية الفلسطينية كما أنه ساهم في تسهيل وشرح قضية الأسرى بحد ذاتها وساعد على تحقيق وترسيخ حقوقهم ومطالبهم القانونية والإنسانية, ويرفد نضالهم الوطني بتحقيق النصر لقضيتهم أمام المجتمع الدولي والذي سيجد نفسه أمام مسؤوليته اتجاه قضية الأسرى والإفراج عنهم, وخاصة مؤسسات رعاية الأسرى والمعتقلين  الفلسطينيين والعرب في سجون العدو الصهيوني ولعل هذا النضال الفكري درة ثمينة يحتاجها كل إنسان حر مؤمن بحقوق وبحرية أخوه الإنسان, وأي مواطن عربي له عقيدة وعالمي شريف بحاجة للحرية والاستقلال والتحرير من آلة القمع الإرهابية الصهيونية, ومن  معها لأنه يجد أمامه  أدب فلسطيني وطني مقاوم ويسهل معرفة ذلك النضال المترجم في تلك الأدب الذي يوفر عليه الجهد والوقت في فهم الأساليب والممارسات القمعية والوحشية التي تمارسها إدارة السجون ضد الأسرى .. أن من يقرأ الأدب الفلسطيني الذي تم إنتاجه من أدباء ومثقفين فلسطينيين نتيجة تجربتهم النضالية في السجون والمعتقلات الاحتلال الصهيوني, يدفعه في الوقت نفسه شعوراً بالإبحار بين هذا الأدب ويدفعه ذاته لقراءة المزيد في عصر قاربت القراءة فيه على الاحتضار, وقد حاولوا الأسرى جاهدين بأن ينقلوا تجربتهم إلى العالم الخارجي عبر قراءة أخرى غير التي يعيشونها والتي اعتادوا عليها بل من خلال أدب مملوء بتضحية والفداء زالعزة, وهذا هو الأدب المرشح بأن يحمل عبء المرحلة ويظهر مدى أدب السجون  العالمي ارتباطاً بواقع الحدث ومقدرة المرحلة في تأثير الكتابة والإبداع في نفسية القارئ,  هذه المقدرة تدل على  أن الأدب الحقيقي  هو الذي يعكس الحياة والمعاناة اليومية كما يظهر مقدرة الأسرى وتحديهم لكل أساليب القمع والوحشية التي تمارس ضدهم, والتهويل والتضخم العدائي, ويعتبر أدب السجون سلاح إرادة وتحدي .. فليست المعاناة وحدها هي الثمار الوحيدة التي يقطفها الأسير في سجون العدو الصهيوني, فالسجن يسمح لمن فيه, بلحظات تأملية قد لا يجدها المرء خارجه, لذلك تفرز هذه اللحظات التأملية, لدى البعض لاكتشاف ذاتهم, وإخراج مكوناتهما والتعبير عنها بشتى الطرق والسبل, فمنهم من أصبح في الأسر كاتبا قصصيا أو روائيا, ومنهم من أصبح شاعراً أو فناناً تشكيلياً: حيث أنني اذكر بعض شاهدات لكتاب وفنانين كانوا في سجون العدو الصهيوني ..

*الكاتب ولرؤاي وليد الهودلي, والذي قضى (عشر سنوات) في الأسر, وصدر له أثناء أسره, رواية (الشعاع القادم من الجنوب) و(ستار العتمة), وصدر له أيضاً (أربعة) مجموعات قصصية وهم (مدفن الأحياء, مجد على بوابة الحرية, منارات, أبو هريرة في هدريم ) وأكد أن ضغط الوقت والحاجة ساعداه على اكتشاف ذاته في الأسر, وبالتأكيد للأسر دور أساسي, فأنت فيه تحت ضغط الوقت التأملي, في ظل الحاجة الملحة للكتابة في ميادين معنية, لتساعد أهلُكَ وشٌعبكَ على بعض المتطلبات والعوائق الصعبة في التاريخ النضالي الفلسطيني,. وقال: أن رواياته ومجموعاته القصصية, التي مرّت بمخاض طويل من التجربة, تأملية هادئة.. كما أعبر أن الذائقة في الأسر لها مذاق خاص يختلف عن خارجه, لكونها معجونة بالابتلاء والضغط النفسي, والاحتقان الشعوري الداخلي…

هذه هي الحالة التي يخلقها السجن والسجان لدى, بعض الأسرى, والتي اصطلح على تسميتها بأدب السجون, ليس بالضرورة آن تنعكس (من خلال من تأثروا بذلك)عن طريق فنَ إيقاعي ّ صارخ أو مباشر, كنتيجة للمعاناة المعاشة داخل الأسر, فمن الممكن أيضاً أن نجد فنانا يرسم لوحة تأملية هادئة, وأنجد شاعراً أو روائيا, كتب في السجن كلاما تأمليا مختمرا هادئ أيضا, فطالما أن الأدب ذائقة, فلكلّ إحساسه وذائقته, ويعتبر أدب السجون من الأدب الفلسطيني المقاوم الذي يهتم بالأحداث الوطنية المصيرية, والعلمية, والاجتماعية والإنسانية والتي تتناول قضايا تتعلق بالحالات الاجتماعية, وكما هو معروف بأن الأسرى يعيشون روح واحدة في جسد رجل واحد هم أسرة واحدة بغض النظر عن انتمائهم التنظيمية لأنهم وسط معركة واحدة وفي معاناة واحدة تجمعهم قضية واحدة, عدواً واحداً لا يميز أسيراً عن آخر, كيف لا وهو العنصري وصورة طبق الأصل  للفاشية والنازية, كما أن هناك العديد من الخطاب الروائي والقصصي والشعري والمسرحي, الألم  المؤلم, المضحك والمفرح, الرائع والمبدع, وأكد على صحة ذلك الشاعر والباحث أحمد أبو غوش والذي سجن لأكثر من 12عام, في سجون الاحتلال, والذي صدر له أثناء وجوده بأسر, ديوانين (كلمات كانت مسجونة والليل والحب والزنزانة), وكان يهتم الأسير داخل المعتقل في الإبداع الثقافي لأنه يمتلك وقت طويل, ولأنه يعيش حالة نفسية من القمع والاضطهاد والمعاناة والبعد عم الأهل, وبالتالي كل ذلك يدفعه باتجاه الإبداع الثقافي والأدبي أكثر, ولكن عندما يخرج الأسير ينشغل في مشاكل وهموم الحياة الكثيرة, وأثناء وجوده في الأسر, أصدر عدة كتب من بينها (ملاحظات حول التطور العربي والمسألة القومية, سجون الاحتلال رحلة من القمع إلى السلطة الثورية, التنمية في دول المحيط تحرر لا حرة ), وقد اختمار تجربته الكتابية بوجوده في الأسر.

أما الدكتورة سهام ألبرغوثي التي أسرها العدو الصهيوني في الثمانينات من القرن الماضي, والتي قالت: بان الأسر يخلق لدى الإنسان مشاعر جيّاشة, نتيجة للاعتقال وقد كنت أجد هذا النوع من المشاعر, من خلال تجربتي الخاصة, حيث كتبت رسائل إبداعية,على الرغم من القسوة والمعاناة التي يواجهها الأسير أو الأسيرة إلا أن التعايش اليومي في ظل العزل والعلاقات الإنسانية التي تجمع المعتقلين, ومشاعر الابتعاد عن الأهل,هي ما تسببت في إيجاد أو تطوير إبداعات مميزة مثل الرسم والشعر وكتابة القصة.,وقد أوضحت الدكتورة سهام ألبرغوثي والتي تعمل حالياً وزيرة الثقافة الفلسطينية بالتأكيد على تبنّي الثورة أدب السجون ,والاهتمام بالإنتاج الفني والأدبي للأسرى ,كما أكدت العمل على تشجيع من يكتبون داخل المعتقل, على الاستمرار بذلك من بعد خروجهم من الأسر, وذلك من خلال تقبّلنا لكل ما يكتب من قبل الأسرى,من اجل مراجعته, ونشر و إصدار ما يمكن نشره, وربما يتعلق بالفنانين التشكيليين والرسامين من داخل الأسر, ريئس رابطة الفنانين التشكيليين وأحد مؤسسي الحركة التشكيلية الفلسطينية نبيل العناني قال: إن داخل السجون هناك فنانون بالفطرة يعبرون عن ذاتهم بالأسر وبسبب وجود الفراغ الكبير في الأسر,يبدأ الفنان يعبر عن نفسه بمواد بسيطة جداً, من خلال تعبيرات قوية كاستخدام رموز الأسلاك الشائكة والقضبان الحديدية, ومن بين هؤلاء الفنانين, الفنان التشكيلي عيسى اعبيدو, مدير مركز الفنون التشكيلية, والذي أسره الاحتلال لمدة (12)عام, فقد قال أن الأسر ساهم بشكل كبير في اختمار موهبته ))معاناتي جزاء وفاة والدتي, الى جانب الواقع المعاش في الأسر, رأي النقاد أنها أسباب جزرتفي لوحاتي الأصالة, كالمسك الذي لا تعبق رائحته إلا بحرقه!! الأمر الذي زاد في هدفيه لوحاتي التي تتحدث عن واقع الشعب: فالفنان مثله مثل أي مناضل الذي يحمل هموم أبناء شعبه وقضيته ..

أدب السجون في لوحة فنية:

فالأعمال الفنية هي دلالة على امتلاك الأسرى أدب وفن ناضج وناصع الإبداع له انتمائه الوطني المقاوم والمناهض لأنه كتب ورسم ونصر القضية المشروعة إذ اعتمد الأسرى  مخلصين للشعب والأمة, اعتمدوا على أدواتهموإمكانياتهم البسيطة والمتواضعة والتي تخضع كل يوم للتفتيش والمصادرة الدائمة من قبل إدارة السجون ,ففي المعتقل يطر الفنان لأن لايكون مباشرا حتى لا تصادر لوحاته,حيث تم مصادرة عدد كبير من اللوحات وذلك ما دفع معظم الفنانين في السجن للرسم بالطابع السريالي,لأن مدرسة السريالية لها جذور من الواقع, وبقي التواصل سراً بين الأسرى وهذه الحالة تدل على عمق إطلالة المحبة والمودة والتماسك وترابط الوعي الناضج بالثقافة الوطنية بين أخوة الصف المصيري التي تجمع بين جميع الأسرى .. فأدب السجون ليس حالة مبتكرة لدى الأسرى الفلسطينيين أو العرب في سجون الإحلال الصهيوني منذ الاستعمار البريطاني لفلسطين سنة 1938 والذي وصل عدد المعتقلين الفلسطينيين إدارياً أكثر من  خمسين ألف فلسطيني حيث شهدت فلسطين ثورة مناهضة لوجود الانتداب البريطاني على أرض فلسطين بقيادة المجاهدين عز الدين القسام وسعيد العاص وفوزي القاوقجي, كما أنه يوجد هناك مراجع ومصادر وإحصائيات كثيرة في هذا الشأن, من تلك الابتكارات ما جاء في قصص وروايات وشعر أدباء  ومبدعين أظهروا قوة وشخصية صمود الأسرى أدبياً و استعدادهم لخوض المعركة الخاوية حتى النصر والتحرير, في غمار هذا الأدب ومنتجيه الأسرى والأبطال وهناك كثير من القصائد قيلت  بحق الأسرى (لاغرفة التوقيف باقية ولازورد السلاسل ) ( يا ظلام السجن خيم إننا نهوى الظلام, ليس بعد الليل إلا فجر مجد تسامى ) (هيا يا سجان هيا يا عتم الزنزانة, عتمك راح ظلمك راح نسمة بكرى ما تنساني ),وللمعاناة دور هام في نشوء أدب السجون..

وثقية الأسرى:

إن الألم والمعاناة والتعذيب الجسدي والنفسي, كان لهم الجانب الإيجابي في خدمة وقيمة المكتشف الحقيقي للإبداع وإلى ما ذلك من هذا الأمر,  إذ تعرض أدب السجون في البدايات لحياة مضت عبر المعاناة التي جسدها الإحلال الصهيوني ضربة في الانتظار المتجدد عبر أفق الإحساس بالرؤية الزمنية, وانعكاساتها على المعاناة الإنسانية وعلاقة المعاناة بالانتظار المباشر, ويشير أدب السجون إلى قلة المراجع والبحوث المختصة بمعاناة الأسرى وأدبهم وقد أخلص هذا الأدب المؤمن في حتمية النصر وإلى الإطمئنا نية النفس في سبيل الوطن والمواطنة ,وثيقة الأسرىهي وحدة الفكر والانتماء, ولأن  أدب السجون لا يتوقف من نصوصه عند الجانب المؤلم في الشرح فحسب, بل يأتي بالصورة النقيض الأوعىأي المفرح فيعرض علينا النص الوطني الوحدوي والذي عرف بوثيقة الأسرى, وهذا هو أدب السجون الذي  يعالج عالم الحياة بكل أشكالها وأبعادها ويؤكد إنه لا نصر وتحرير الأرض والإنسان دون الوحدة الوطنية دون التوافق المصيري بين جميع القوة الفلسطينية بين أبناء جلدتنا, فهذه الوثيقة تشير إلى الطريق الحق الذي اعتمده أدب السجون الذي هو النقيض للكيان الصهيوني الذي نقشت فيه نتائج احتلاله والتي بدأت تنهار صورته رويداً رويداً بعد أن وضحت وفضحت صورته القمعية الإرهابية العنصرية للعالم أجمع وبعد أن أصبح يشكل خطراً على المنطقة وعلى الإنسانية.. وهنا مفارقة كبيرة ما بين الأدب الفلسطيني المقاوم, والأدب الإرهابي الصهيوني, ويبدو لنا أنه الأدب الصهيوني ومن خلال قراءتنا له نجده في انتقاء دائماً قائماً على فكر عدواني عميق يتسم بالعنف والإرهاب, فالأدب الصهيوني نشأ على مواقف وقيم وسلوك وعادات ومهارات عدوانية, تنتقل من خلال التعبئة والتنشئة العدوانية وهي التي تفاعلت مع البيئة المحيطة بالقنوات التنشئة التي تساهم في التعبئة الاجتماعية والثقافية والسياسية والاجتماعية ووسائل الإعلام ويعيش الأدباء الصهاينة في خضم هذه الأجواء والفضاء المحيط بهم ويتأثرون بها, ويتأثرون بالأدب بما يحمل من معاني والذي يؤثر في سلوكهم العدواني وفي عملية التنمية الثقافية والاجتماعية والسياسية والتي اعتمد عليها قادة العدو الصهيوني في تنشئة الفكر والأدب الصهيوني والذي يتسم بالعنف والإرهاب الذي يحظى لدى كبار مفكريهم وأدبائهم باهتمام يصل إلى حد القداسة, والتي ساهمت في بناء الشخصية العدوانية وأساليب الإرهاب الصهيوني ضد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين وضد الشعب العربي الفلسطيني بشكل خاص, وقد اتخذ الأدب الصهيوني العنصرية أساساً وساهم منذ تأسيس الحركة الصهيونية في تشوه صورة الأدب الفلسطيني  وبهذه الصورة قدم الأدب الصهيوني الإنسان الفلسطيني من خلال الشعر , أدب تكون في سمات الشخصية الصهيونية وهي تحمل الحقد والكراهية , لذلك هم  يقتلون ويعتقلون بدم بارد ويقول أحد الشعراء الإرهابي الصهيوني ( أفرايم فيدون) ( كل النساء في صيدا وصور , كل الأمهات , كل الحوامل , كل الأرامل, ها نحن قادمون لنعاقبهن لنقتصّمنهنّ ), و هذه هي صورة الأدب الصهيوني والتي قائمة على الإرهاب والحقد والكراهية ضد الشعب الفلسطيني وضد العرب والمسلمين,وتتكون صورة أدب السجون ومن إبداععمل الأسرى أنها صورة القضاء والفضاء في نفوس الحكمة والضمير التي تعرض إخلاص القديم وموضوعاته والحديث ومنتجاته ونتائجه الحديثة , ومن تلك النتائج وإن أدب السجون قد عكس فكر وتبنى قضايا جوهرية عاشتها قيادة الثورة الفلسطينية في خارج فلسطين وفي داخل فلسطين , والتي عرفت بثقافة المقاومة وليس هذا فقط بل راحت أقلامهم وأفكارهم وإبداعاتهم  تصرعلى هذه الرغبة بالمحبة والتقدير من قبل الجميع , وقد نجحوا في أرائهم وأقلامهم وإبداعاتهم في تحقيق هذه الأهداف وقد دقوا ناقوس الخطر  في مواصلة الرسالة ومصلحين الحال وهذا ليس لشيء سوى لأنهم أحبوا الحرية وعشقوا فلسطين ورفضوا الاستسلام والمساواة على الحقوق الوطنية وقفوا في وجه الظلم والقهر , واحتلال الأرض والإنسان, وأدب السجون له نسيجه الاجتماعي حيث إن أدب السجون لا يتوقف عند تناول العمل الأدبي , بل يلج في عالم الاجتماعي من باب واسع فهناك العديد من الأعمال والدراسات الفنية والاجتماعية والتنمية وحتى السياسية ونجد من ضمن هذا الأدب كتب وكتاب وعلم وعلماء اجتماع وهناك رواد أرادوا دراسة العلم الاجتماعي من خلال القرآن الكريم ونقل هذه الدراسات ومضمونها ومفهومها وعرضها على المجتمع كمحاولة منهم لتأكيد على عظمة الخالق سبحانه وتعالى, وهذا تأكيد منهم على الصمود في وجه القهر والغطرسة الصهيونية وثبات وإيمان لعظمة الله تعالى وتمسكهم القوي به, ولذلك قناعهم بالله تعالى لأنه  ينطق عن الحق والحقيقة التي لا يستطيع احد إنكارها ولأن هذا الكيان الصهيوني قائم على الزيف ونفي الحقيقة ضعيف وسوف يزول لا محالة ..

فأدب السجون الفلسطيني المقاوم تفوق على أدب العدوالصهيوني الإرهابي :

إن أدب السجون بين لنا مقدرته العلمية والنقدية الواسعة وإطلالته الثقافية والمعرفية بالأدبين الفلسطيني والصهيوني, إذ بين الصفة المشتركة بين صاحب الحق وبين الغاصب المحتل الغاصب والمغتصب للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والعربي, وأوضح التعمق الحسي في واجب الحياة اتجاه الوطن والمواطنة, وكان هذا الأدب يبسط مقدرته لنا من أجل اطلاعه الواسع ومعرفته من قبل الجميع, يتوقف عند الذين يقرئون هذا الأدب قراءة دقيقة إن كان شعر أو قصة, أو رواية, أو حتى عمل فني له دوافعه دفعه لذلك, ولا نستبعد بأن همنا هو يتركز على الأسرى وعلى المحررينوعلى المبعدين خارج وطنهم فلسطين, أن كانوا جسدياً أو فكرياً أو حتى في إنتاجهم الفكري والمعرفي الأدبي, و وظيفة أدب السجون هي التقاط الوظيفة المعرفية لأدب المقاومة الذي يجب إن يبقى من أهم أهداف القارئ الحريص على أغناء مخزون المعرفة والذاكرة الوطنية, وليس غريباً أن نرى كتاباً تم إنتاجه داخل السجون والمعتقلات الصهيونية متأثراً نصوصه بالممارسات القمعية, تاركاً تأثيراً كبيراً في هذا الشأن وقد يلخص القارئ تدفق وعمق لنصوص في أدب السجون ويستنتج أنه لم يترك تعليقات نقدية على طابع صفحات أدب السجون ذلك لا يفقد القارئ حاسة البصيرة, كما أنه يجسد دفعه الحاجة للتعبير من خلال قبوله للأفكار بطريقة منه أو من خلال حركة الممارسة النقدية لأنه أوجد الدرجة الأولى في إنتاج الذي حرص على الرابط والمقارنة بين أكثر من مؤلف يحمل أفكاراً متشابهة وهذا دليل قاطع على قدرته فيتوحيد الفكر عند أدباء ينتمون إلى ثقافة واحدة في معتقلات متنوعة وفي فترات تاريخية متقاربة ومتباعدة, ولم يكتفي أدباء ومثقفين وعلماء وباحثين بدراسة النقد أدب السجون الذي يعشش في الذاكرة الوطنية, والذي أصبح هناك دراسات نقدية عديدة في هذا الشأن وبل هناك شعراء وروائيين قالوا وكتبوابحق السجناء وأدبهم المقاوم وصمودهم ومعاناتهم, لأدب السجون دلالته التاريخية التي يفترق فيها تأثير الهوية والشخصية للأسرى في أدبهم الرائع, لأنهم أنتجوا صورة رائعة مؤرخة بتاريخ الإنسانية, وقد يستخلص القول في أدب السجون أنه استطاع الأسرى والمعتقلين في سجون العدو الصهيوني والذين تم تحريرهم  أسهموا من خلال إنتاجهم الأدبي أن يترجموا ما يفكرون به من صمود وتصدي وتحدي من إرادة قوية لا تهزم, ومن خلال أحاسيس ومشاعر أصيلة جياشة تجاه قضيتهم الوطنية, وأن غنوا تجاربهم, فأعطوا صورة حية وجميلة بطولية عن حياتهم الحميمة بالإشراق المعرفي وبالذاكرة الوطنية الفلسطينية والعربية والإسلامية التي تجدد  دائماً بالأمل وبالإخلاص لله وللوطن .

 

عن amara

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

%d مدونون معجبون بهذه: