ما وراء التحريض الإسرائيلي على الأسرى الفلسطينيين في بريطانيا بقلم فادي أبوبكر

ما وراء التحريض الإسرائيلي على الأسرى الفلسطينيين في بريطانيا

فادي أبوبكر

كاتب وباحث فلسطيني

يستمر مسلسل التحريض الإسرائيلي- الأميركي على رواتب الأسرى الفلسطينيين منذ أكثر من عامين، والذي تخلله اقتطاع حكومة الإحتلال الإسرائيلي لحقوق مالية فلسطينية تدعي بأنها توازي  مخصصات الأسرى والشهداء. بينما تواصل القيادة الفلسطينية تعنتها وتشبثها بموقفها الثابت بعدم إستلام أموال المقاصة كاملة، وعدم الرضوخ للإملاءات الإسرائيلية والأميركية بالموافقة على توقيع ما يسمى بـ”صفقة القرن”.

وفي سياق الحملة الإسرائيلية التحريضية المستمرة على الأسرى الفلسطينيين ورواتبهم، ادّعت منظمة “محامون بريطانيون من أجل إسرائيل” أن أموال المساعدات الخارجية البريطانية التي كانت تُقدم للسلطة الفلسطينية، قد موّلت رواتب الأسرى الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية “بسبب أعمال إرهابية”، متهمةً الحكومة البريطانية بعدم الإكتراث بشأن سوءالاستخدام المزعوم للنقد ، بدعوى أن الوزراء قد ضللوا البرلمان بالقول أن رواتب “الإرهابيين” كانت مجرد مدفوعات رعاية اجتماعية.

وبحسب صحيفية “ديلي ميل” البريطانية، فإن بريطانيا دفعت للسلطة الفلسطينية بين عامي 2008 و 2015 مبلغ قدره 430.5 مليون جنيه إسترليني ( ما يعادل 521.5 مليون دولار). تم استخدام أكثر من 80% منه لدفع رواتب “الإرهابيين”، وفقاً للوثائق التي حصلت عليها في عام 2012 منظمة “محامون بريطانيون من أجل إسرائيل”.

وقالت الصحيفة في تقرير لها نشرته بتاريخ 4 آب/ أغسطس 2019، أنه خلال العام الماضي ، طالب ناشطون من خلال مكتب مفوض المعلومات بأن تقوم وزارة التنمية الدولية بإصدار مراجعة حول المساعدات البريطانية للسلطة الفلسطينية. إلا أن الوزارة رفضت إطلاق المراجعة لأن من شأنها أن تضر بالعلاقات بين المملكة المتحدة والسلطة الفلسطينية. لكن الآن، حكمت مفوضة الإعلام إليزابيث دنهام بأن هناك “مصلحة عامة كبيرة” في الكشف عن المعلومات.

وفي نفس السياق صرّح جوناثان تيرنر الرئيس التنفيذي لمنظمة “محامون بريطانيون من أجل إسرئيل”  بأنه: “يجب الآن محاسبة المسؤولين عن تضليل الجمهور والبرلمان لتسهيل دفع مبالغ كبيرة من المال تم استخدامها لمكافأة القتل وتشجيعه”.

تحاول هذه الورقة البحث في دلالات توقيت هذا التحريض، وفيما كان هو تحريض لبريطانيا أم تحريض عليها؟. وللإجابة على هذه التساؤلات تطرح الورقة سيناريوهان لما وراء التحريض الإسرائيلي على الأسرى الفلسطينيين في بريطانيا كما هو موضح أدناه:

  • تحريض على بريطانيا:

يفترض هذا السيناريو أن التصريحات الإسرائيلية تهدف إلى تحريض الرأي العام البريطاني على مسألة رواتب الأسرى الفلسطينيين، بحيث تستغل “إسرائيل” اللوبي الصهيوني في بريطانيا، المعروف بنشاطه وقوته مقارنةً مع باقي دول العالم، لإقناع المواطن البريطاني بأن جزء من الضرائب التي يدفعها تذهب لدعم “الإرهاب”، وذلك  في سبيل التأثير على السياسة الرسمية البريطانية، وجعلها تسير في مسار أكثر تطرفاً مما هي عليه إزاء القضية الفلسطينية.

إن التحريض الإسرائيلي على بريطانيا ليس بالجديد، حيث سبق أن اتّهم وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينيتس وهو صديق حميم لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو  في مقابلة له مع صحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية في عام 2013، بريطانيا بأنها “معادية للسامية بطريقة مستترة”.

إن تحريض “إسرائيل” على والدتها بريطانيا التي أنجبتها ومدّتها بالحياة بفعل وعد بلفور عام 1917م، يعكس بلا شك المستوى العالي والمخيف  من التطرف والعنصرية والإرهاب الذي وصلت إليه. حيث أن هذا السيناريو ينذر بأن لا شيء في المستقبل سيكون مستهجناً على سلوك المنظومة الإسرائيلية بكل تمثلاتها، فمن يكره أمه ويكون عاقاً لها، ماذا يمكن أن نتوقع منه؟!.

  • تحريض لبريطانيا:

من زاوية أخرى يمكن النظر إلى هذا التحريض بأنه يأتي لتدعيم النصر الذي حققه بوريس جونسون في يوليو/ تموز 2019 بزعامة حزب المحافظين ليتولى منصب رئيس الوزراء في بريطانيا خلفاً لـتيريزا ماي، خصوصاً وأن جونسون معروف بأنه أكثر تطرفاً من ماي، ويحمل أيضا أفكاراً متشددة يمينية، تقترب إلى سمو العرق الأبيض، مثل الرئيس الاميركي دونالد ترامب. حيث يفترض هذا السيناريو أن هذا التحريض قد يكون لعبة متفق عليها، من أجل تسهيل الأمور على جونسون في اتخاذ إجراءات وقرارات أكثر إنحيازاً لإسرائيل من جهة وأكثر تطرفاً إزاء الفلسطينيين من جهةٍ أخرى.

خاتمة

يستهدف التحريض الإسرائيلي في كلا السيناريوهان، كل من الدبلوماسية الشعبية البريطانية و السياسة البريطانية الرسمية لتكونا أكثر فأكثر تطابقاً وتكاملاً مع الأهواء الإسرائيلية الكولنيالية. بمعنى أن “إسرائيل” ماضية في تطرفها وتجاهلها لكل الأعراف والمواثيق الدولية والقانونية والإنسانية فيما يخص تعاملها مع القضية الفلسطينية بكل تفصيلاتها.

أمام هذا السيناريوهان، فإن الجاليات الفلسطينية المتوزعة في أنحاء العالم، مُطالبة بأن تنشط وتعمل بجد في سبيل بلورة لوبيات فلسطينية تكون فاعلة وضاغطة على الحكومات والبرلمانات والرأي العام في أماكن تواجدها.

إن وجود أكثر من نصف الفلسطينيين خارج فلسطين هو نكبة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ولكن يمكن استغلال هذا  الجيش الوطني الذي قوامه6.6  مليون جندي  فلسطيني موزعين على الدول العربية والأجنبية، على قاعدة المثل الذي يقول: “رب ضارةٍ نافعة”.

عن amara

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

%d مدونون معجبون بهذه: