الأسرى الفلسطينيين المرضى.. إعدام بالإهمال بقلم الكاتب حسن العاصي

الأسرى الفلسطينيين المرضى.. إعدام بالإهمال

حسن العاصي

كاتب وباحث فلسطيني مقيم في الدانمارك

تؤكد إحصاءات هيئة شؤون الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، أن عدد الأسرى المرضى قد وصل إلى حوالي 2000 أسير من مجموع الأسرى البالغ عددهم 7000 أسير. ومن بين الأسرى المرضى هناك 700 أسير يحتاجون إلى تدخل علاجي عاجل، بينهم مصابون بأمراض خطيرة تهدد حياتهم، كالسرطانات والفشل الكلوي وامراض القلب. إضافة إلى وجود عشرات من الأسرى يعانون من إعاقات جسدية ويحتاجون إلى متابعات علاجية وأطراف صناعية. وتشير تقارير ودراسات المؤسسات والجمعيات الحقوقية ذات العلاقة أن العدد الحقيقي للأسرى المرضى أكثر من هذه الأرقام رغم ضخامتها. إذ أن الإحصائية السابقة لا تشمل الأسرى المرضى الذين لم تسمح لهم سلطات السجون في الوصول للعيادات الطبية. وربما الأرقام تتضاعف ان تم أجراء فحوصات على بقية الأسرى، إذ أن ظروف الاعتقال المخيفة أدت إلى ظهور العديد من الأمراض واستفحالها لدى الأسرى، مثل أمراض الرئتين، العيون، القلب، الكبد، الكلي، المعدة، الأمعاء، السكري، الأسنان، العظام والمفاصل والروماتيزم، الأمراض الجلدية، أمراض الأعصاب.

تتواصل معاناة وشكوى وتوجع الأسرى الفلسطينيين المرضى في السجون الإسرائيلية، وتواظب قوات الاحتلال قمعها وبطشها، فيما يستمر صمت المجتمع الدولي والإنساني على جرائم البطش والتعذيب والإبادة والقتل التي ترتكبها إسرائيل بحق الأسرى الفلسطينيين القابعين في الزنازين والمعتقلات الفاشية الجديدة.

يعاني الأسرى الفلسطينيون في السجون الصهيونية أوضاعاً صحية بالغة السوء ومريعة، حيث يتعرضون لأبشع طرق التعذيب والتنكيل الممنهج جسدياً ونفسياً، بصورة وحشية سادية تؤدي إلى إصابتهم بالعديد من الأمراض نتيجة إنهاك أجسادهم، ومما يزيد ويضاعف معاناتهم قيام سلطات السجون الإسرائيلية بحرمانهم من الرعاية الطبية بصورة حقيقية، وتماطل في تقديم العلاج والأدوية لهم بشكل متعمد، في محاولة لقهر وإذلال الأسرى المرضى والإمعان في إهمالهم وتجاهل ألمهم وشكوتهم لاغتيالهم وقتلهم بطريقة مأساوية لم يشهد لها التاريخ مثيلاً سوى لدى الفاشية والنازية.

هذا ما تفعله قوات الاحتلال الإسرائيلي بالأسرى الفلسطينيين المرضى. فمستوى العناية الطبية بالأسرى شكلي وشبه منعدم، هذا ما تؤكده تقارير المنظمات والمؤسسات المحلية والدولية التي تعنى بحقوق الإنسان وشؤون الأسرى، وبشهادة الأسرى أنفسهم، وما يعزز هذه الحقيقة هو الزيادة المضطردة في أعداد المرضى من الأسرى، وارتقاء الشهداء من بينهم. وتضيف التقارير إن أمر علاج الأسرى حولته إدارة السجون الإسرائيلية إلى قضية مساومة وابتزاز وضغط على الأسرى، مما يتعارض مع كافة القوانين والأعراف والمعاهدات الدولية والإنسانية التي تنص على ضرورة توفير الرعاية الصحية التامة والأدوية والفحوصات الدورية للأسرى.

صراع للبقاء

تمتنع إدارة السجون عن نقل الأسرى المرضى إلى المشفى لإجراء عمليات جراحية، إلا بعد قيام الأسرى الآخرين بتنفيذ الإضرابات. وإذا نُقل السجين فإنه ينقل في عربات مغلقة مقيد اليدين والقدمين، ولا ينقل في عربات الإسعاف، ويتعرض للتنكيل والشتم طوال عملية النقل. ومن المعلوم أن السجون الإسرائيلية تخلو من أطباء اختصاصيين، وما يوجد هو طبيب واحد يقدم قرص “أكامول” لكافة المرضى، ولا يتواجد الطبيب إلا ساعات قليلة في اليوم، كما لا تتوفر في السجون والعيادات أية أجهزة طبية لذوي الاحتياجات الخاصة من الأسرى، ولا نظارات طبية، ولا أجهزة تنفس لمرضى الربو، الخ.

تقدم إدارة السجون للأسرى وجبات طعام مريعة، تضاعف معاناة الأسرى المرضى. وتقوم بتكديس الأسرى في عنابر ضيقة مما يتسبب بالازدحام الشديد ويهدد بانتشار الأمراض بصورة سريعة بين صفوف الأسرى. كما تقوم سلطات السجون بحرمان الأسرى ذوي الأمراض المزمنة من أدويتهم عقاباً لهم. ويجري فحص الأسرى المرضى بالمعاينة بالنظر من خلف نافذة زجاجية وشبك حديدي دون لمسهم، فضلاً عن ظروف الاعتقال المرعبة المتمثلة في قلة التهوية والرطوبة الشديدة والاكتظاظ الهائل والنقص الشديد في مواد التنظيف. ولجوء قوات الاحتلال لاستعمال العنف الاعتداء على الأسرى المرضى باستخدام الهراوات والقنابل الغازية لقمعهم، مما يفاقم خطورة وضعهم الصحي. وتضغط إدارة السجون بشدة على الأسرى المرضى كإجراء عقابي مثل عدم تقديم العلاج، حرمان من الزيارات، وضعهم في زنازين انفرادية، إجبارهم على خلع ملابسهم بطريقة مهينة، الإزعاج الليلي المفاجئ بحجة التفتيش.

لا يوجد في مشفى سجن الرملة الذي ينقل له الأسرى المرضى أية أجهزة للفحص وتشخيص الأمراض، بل أن الأسرى يتعرضون داخله لأقذر معاملة وحشية من الحرس والطاقم الطبي، وكثيراً ما يتم تقديم أدوية منتهية الصلاحية للأسرى.

فيما يتعلق بالأسيرات المرضى فلا يوجد طبيب أو طبيبة اختصاصي للأمراض النسائية، وتجبر الأسيرات الفلسطينيات الحوامل على الولادة وهن مقيدات الأيدي دون أية مبالاة لأوجاعهن وآلام المخاض.

حالياً يوجد حوالي 17 أسيراً فلسطينياً مريضاً فيما يسمى تجاوزاً “عيادة سجن الرملة” بينما اسمه الحقيقي مختبر معتقل الرملة الفاشي. يعاني هؤلاء الأسرى الأبطال وضعهاً قاسياً مرعباً بسبب أمراضهم وحالتهم الصحية، وبسبب حياتهم المؤلمة التي تطحنهم بين رحى عذابات السجن والسجان، وألم الأمراض. وقد مضى على وجود البعض منهم في ذاك المكان الفاشي أكثر من 10 سنين دون أي تغير في معاملتهم من قبل السجان الصهيوني التي يرفض نقلهم إلى مشافي لإجراء عمليات جراحية، مما أدى إلى استشهاد المئات من الأسرى المرضى الذين بلغ عددهم 2190 شهيداً منذ عام 2000 لغاية الربع الأول من العام 2019.

العالم القبيح

إن صدور قانون إعدام الأسرى الذي صادقت عليه العام 2017 كافة الأحزاب المشاركة في الحكومة اليمينية الإسرائيلية، أظهر الوجه الفاشي القبيح لحكومة الاحتلال الصهيونية التي تدّعي الديمقراطية. هذا القانون هو أداة قتل جديدة بشعة تطال أعنق الأسرى الشامخة، وهدفه هو شرعنة قتل الأسرى الفلسطينيين من خلال المحاكم الإسرائيلية، وبالفعل فقد تم تنفيذ الكثير من عمليات الإعدام لأسرى فلسطينيين فيما العالم القبيح يراقب عن بعد وعلى استيحاء.

ما يحصل خلف جدران وقضبان الزنازين الصهيونية والمعتقلات الفاشية لا ينبغي أن يبقى في دائرة الظل والتجاهل والتعتيم، بل أن إظهاره ضرورة وطنية وأخلاقية وإنسانية، ليعلم العالم أجمع ما يتعرض له الأسرى الفلسطينيين من مهانة وتعذيب وقمع وحرمان من أبسط حقوق الأسر.

الأمر الخطير الذي يتعلق بالأسرى الفلسطينيين المرضى ما كشفته “داليا إيتسك” حول سماح وزارة الصحة الإسرائيلية لشركات أدوية إسرائيلية كبرى، القيام بإجراء تجارب سريرية مخبرية لأدوية خطيرة على أجساد أسرى فلسطينيين، واتضح أن هناك أكثر 1300 تصريح منفصل لإجراء هذه التجارب. وهكذا تقوم إسرائيل بتحويل الأسرى الفلسطينيين المرضى إلى ما يشبه “فئران مختبرات” لتجربة الأدوية المصنعة من شركاتها.

إن هذا الوضع المرعب الشائن المستنكر الذي يعاني منه الأسرى الفلسطينيين يفرض على القيادة الفلسطينية وعلى الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية وكافة أحرار العالم التحرك لكشف الوجه اللئيم للاحتلال الصهيوني، وفضح سياساته ومخططاته المرتبطة بالأسرى الفلسطينيين، وسلوكه الوحشي بحقهم الذي يتناقض مع معايير ومبادئ حقوق الإنسان، ويتنافى مع قيم العدالة والحرية التي يتبجح بها العالم الغربي.

عن amara

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

%d مدونون معجبون بهذه: