الفاعلية وسلطة النصوص في العقل العربي
بقلم الأستاذ رقيق عبد الله
ان تصالح الذاكرة المركزية للعقل العربي مع اللاعقلانية ورفض الاستدلال المنطقي في قضاياه هو في الحقيقة نتاج مؤسس لتغييب هذا العقل، ان برتراند راسل حين قال ان هناك دافع يجعل الناس اذا كانو لا عقلانيين بدرجة كافية،فقد تستطيع ان تحملهم عن خدمة مصالحك وهم يتوهمون أنهم يخدمون مصالحهم. انه عندما يغيب العقل يغيب الوعي. لقد تم عبر التاريخ و تكوين التراث احداث تصادم بين النص والعقل عبر مؤسسات السلطة السياسية و ذراعها الديني، فكان للمعتزلة العقل والمأمون ناصرهم ،وكان للأشاعرة النص و المتوكل اداتهم .ان فرض عقيدة المعتزلة بالقوة وفهمها للنص وفق المجاز من خلق الافعال الى العدل الالهي ،اسقطها في الرفض المقدس للذاكرة الثقافية العربية عبر التاريخ و تحولت من فكرة مدافعة عن العقل الى تهمة للتجريم الاجتماعي والانتماء السياسي ، كما ان ظهور فكرة اهل السنة والجماعة في عهد المتوكل عبر الأشاعرة فوُظفت العقائد سياسيا و انطلقوا من ان النص القراني وحدة متماسكة يخضع لازلية اللوح المحفوظ، و لم يدركوا انه لا يمكن ان يوجد نص ينتج دلالتة الا في السياق الثقافي الذي نزل فيه؛ والثقافة هي الوعي الاجتماعي العام وانه لا يمكننا ان نغير الواقع خارج معطياته.ان ايات الجواري والعبيد مثلا يجب ان تكون وفق صياغ راهنها و بناء تصورات عليها في مستقبل الاحداث ،ان عدم فهم النسق الدلالي للمعنى اوجد الإشكال،كما ان التأويل والتاويل المضاد من نفس النص لم ينتج لنا تفعيل للمنهج العقلي او انتاج احكام، فمثلا قال تعالى”وقرن في بيوتكن” الاحزاب الاية 33 :اعتبر ابن باز ان خروج المرأة للعمل يعتبر زنا لانها تغادر مملكتها و يحدث الاختلاط ،وهذا تأويل والتاويل المضاد ما طرحه فهمي هويدي حين قال ان هذه الاية خاصة لنساء الرسول صلى الله عليه وسلم .ولكنهم رغم السجال في الخاص والعام فما تأويل ما قامت به امنا السيدة عائشة وخروجها في معركة الجمل .اذا هل هو حكم انتهى مع وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ام ان السيدة عائشة رضى الله عنها خالفت أمرا ديني؟!!كما ان التوسيع الدلالي للمعنى افقد العقل ادركاته ،فمثلا الحكم بين المتخاصمين تحول الى الحاكمية و السلطة .ان النص القراني نص وخطاب فمحمد اركون حين تحدث عن النسخة النهائية للنص القراني كان يطرح قضية مغيبة و إن اوقفها وهي المعنى الخطابي للقران الكريم .انه ومما تم طرحه من توظيف سياسي للنص التأويل و التأويل المضاد ،عدم مراعاة سياق النزول الثقافي والوعي الاجتماعي العام ،كما ان التوسيع الدلالي للمعنى وتبني القراءة السلطوية للنص خلق صدام مفتعل ،ان الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في رده المعروف على الخوارج حين قالوا: “لا حكم إلا لله” فقال: “القرآن بين دفتي المصحف لا ينطق وإنما يتكلم به الرجال”. والدلالةإن عقل الرجال ومستوى معرفتهم وفهمهم هو الذي يحدد الدلالة ويصوغ المعنى.وهذا كله ينفي وجود تصادم بين العقل والنص، وإنما بين العقل وسلطة النصوص؛ وذلك أنه حين تتحول النصوص إلى سلطة مطلقة ومرجعية شاملة ومنه تتضاءل سلطة العقل. وفي تضاؤل سلطة العقل يفقد فاعليته ،و النصوص في هذه الحالة تصبح مملوكة ملكية خاصة لمؤسسة الحكم التي تمارس هيمنتها باسم النصوص.وهكذا تتكرس شمولية تأويلاتهم واجتهاداتهم، فيصبح الخلاف معها كفراً وإلحاداً و زندقة وهي الصفات التي أُلصِقَت بكل اجتهادات التاريخ و مذاهبه. ان سلطة النصوص المطلقة اوقعت العقل والنص ذاته في اشكالية التوسيع الدلالي للمعنى و اخذت الايات في غير سياقها وفق متطلبات ولي الامر و ولي عهده ، و فقد العقل فاعليته التى اداتها الحرية و فق حقيقة مدركة.حقيقة ان و جه الحقيقة ما عليه نقاب …….يتبع