الفاعلية وجدلية المركز والهامش.
بقلم الأستاذ رقيق عبد الله
لقد اعتمدت الثقافة العربية الاسلامية عبر ذاكرتها المركزية على انتاج ما قد انتج كأداة وظيفية سائدة و لم تنتج الفكر الذي يتأسس حقيقة على نقد المسلمات وفق فاعلية النقد لا التفكير في فكر ليس في مجريات الاحداث بظواهره الدرجة، ولم يتخذ الواقعية التاريخية
مبدأً في تفعيل تلك المحدودية في القبول بالمسلمة. إن جدلية المركز والهامش الغت كل اعتبار اجتماعي أو إثني خاص، و اكتفت بجدلية التواصل تفاصل والتفاصل تواصل أو كما يسمى في الفقه وصل بفصل أو فصل بوصل.
إن مناهج البحث الفطرية الاربعة التي رافقت الانسانية جمعاء من منهج ذوقي أو عقلي أو نصي أو تجريبي لم يعتمد في الفكر العربي على أساس التوازن في التفكير الذي إن حصل كان سيشكل استثناءً، لأنها الحالة الحضارية للفكر. إن كانت مبادي ديكارت الاربعة تقول لا تسلم ببديهيات الأشياء قبل تدقيقها، فذاكرتنا المركزية عبر المنهج الذوقي للمعرفة وفق ثنائية الظاهر والباطن كانت ستشكل مخرج نظري لحالة التفعيل المركزي للذاكرة، وإن كان ديكارت يستلزم تحليل المشكلة في بحثه، فنحن نستسلم لما أقرّت عليه الحالة ووجدت. وإن كان دعى إلى إعادة تركيب العناصر لفهم مكوناتها، فالفكر العربي اعتمد على العقل الممارس للتعامل لا العقل المنتج للقيم. والاستقراء عند ديكارت أساس، و في ذاكرتنا المركزية استشاهد الحاضر على الغائب أصل ثابت لا متغير. إن مشكلة الثقافة العربية هو ان الفكر العربي لم يطرح المسلمات على ذاته، و فقد إحدى مقومات الفاعلية وهي الحرية التي هي مثار إشكال عبر التراث، فالفاعليات الاجتماعية لا تستطيع ان تستقر وبالتالي فالحرية هي وسيلة لتحقيق هدف وليس غاية في حد ذاتها. فكانت لدى المتصوفة أن تتخلص من هذا العالم وتتصل بالمطلق، و اعتبرت في أدبيات السلطة شعاراً سياسياً لدى الخوارج، وجدلاً دينياً لدى بني امية لجبرية القدر. إن الحرية وهي الإنفلات من العادة التى هي في كثير من الاحيان أقوى من الدين في حد ذاته، فابن خلدون ربط المظاهر العامة بالخاصة و جعل من القوانين السياسية الدينية أكثر نفعاً و اعتبر صلاح النظام بوجود حاكمه والبيعة عهد على الطاعة. كما أن الماوردي في الاحكام السلطانية رأى أن الخلافة حارسة الدين وسياسة الدنيا وعقدها واجب والعادة مفضاة ضد البأس. إن التسويق للعادة على أنها دين ولّد لدى المخيال العربي هاجس الخوف من إدراك الحرية كقيمة مركزية بها يتم عمل الصالحات و أنتاج القيم. إن محدودية العقل العربي جعلت من قيمة الحرية في حالة صراع دائم مع الدين، والحقيقة أن الدين حرية، و من أعظم أبعادها الحوار، الذي تمت ممارسته عبر آفاقه الثلاث ليؤسس عبر تاريخ البشرية قيمة عليا، إلغاؤها هو إلغاء عقل. فكان حوار الله مع ملائكته و آخر بينه و بين آدم وثالث بين الله و إبليس. إن منتهى الحرية استماع الله الى الشيطان وهو يرفض طاعته. إن تعطيل الحرية كقيمة فردانية لتحقيق الكينونة الانسانية، جعل من المجتمع العربي يعيش حالة الانقراض كما عاشها السومريون و اليونانيون والفراعنة. وأننا نفكر وفق هذا السياق. إن الحرية كقيمة مركزية مفقودة في ذاكرتنا الثقافية خلقت لنا عجزاً في بناء دولة ومجتمع مدني لاكثر من خمسة عشر قرنا. إن حالة ازدهار المرحلة لم تنتج لنا حضارة يكون فيها المجتمع دينه القانون، و الدين علاقة الفرد بربه قيم تنتج وعقل بفاعلية امة …يتبع