من صناع الحياة
بقلم الأستاذ إبراهيم بن ساسي
الشيخ العلّامة محمد بلكبير رحمه الله، عالم فقيه، أكرم الله به الأمّة في الجزائر وأحيا به راية القرآن في ربوعها، ولد سنة 1911م في إحدى قرى بودة في ولاية أدرار، حفظ القرآن الكريم وكلله بمتون الفقه والنّحو.
رحل إلى تمنطيط مجالسا الشيح أحمد الشّيخ التّمنطيطي البكراوي آخذا عنه علوما جمّة، مجالسا بعده شيوخا كثيرين، ثمّ انتقل إلى تلمسان، وفيها لزم الشّيخ بوفلجة مدّة سنوات، وبعد المشريّة وتيمّمون وبودة الّتي عرفته معلما للقرآن استقرّ به المقام في أدرار مشرفا على مدرسته القرآنيّة الجامعة وهي الّتي ظلّت ولا تزال منارة للعلم والقرآن، تخرّجت منها عشرات المعلّمين والأئمّة والدّعاة والإطترات وقد كرّمه رئيس الجمهوريّة بوسام الجمهورية تقديرا على المجهودات العلميّة.
توفيّ يوم 15/09/2000م رحمه الله وأسكنه فسيح الجنان، كتب الله لي أن أجالس كوكبة من تلاميذه ــــ أئمّة ومعلّمين ودعاة وموّظّفين ورجال تربيّة ــــ ومن القصص التّربويّة الّتي تواترت روايتها عن بعض تلاميذه ومريديه [أن محسنا زاره ذات مساء وسلّم له مبلغا ماليّا معتبرا، فوضعه الشّيح بلكبير تحت ركبته، وبعد هنيهة دخل عليهما رجل فقير وراح يصف حالة البؤس الّتي يعيشها مع أسرته، وأن أولاده لم يذوقوا لقمة العيش منذ كذا وكذا، فأخرج الشّيح بلكبير المبلغ من تحت ركبته وأعطاه للسّائل الّذي خرج يشكر الشّيخ ويدعو له، فلم يتمالك ذلكم المحسن نفسه وصاح في حضرة الشّيخ قائلا: أتعلم سيّدي كم أعطيتك؟ إنّها بالملايين! فابتسم الشّيخ سي محمّد بلكبير وقال له: أكيد أنّك أعطيت المبلغ في سبيل الله؟ فقال الرّجل: نعم سيّدي فقال له: أعطيته في سبيل الله، فأعطيناه في سبيل الله!] أيّ درس يعلّمه إيّانا الشّيخ بلكبير! إنّه الإيمان والصّدق واحتقار الدّنيا ونعيمها والارتباط به تعالى وتسليم الأمر إليه وحده، والتأسّي بصفات المؤمنين الّذين لا تتعلّق أفئدتهم بمال ولا متاع زّائل، فلا غرابه أن يحبّهم الله ويكرمهم ويدنيهم إليه.
كما جاء في حديث السّبعة الّذين يظلّهم الله تحت ظلّ عرشه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه، وفيه {ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه} كما أنّ صدقة السّرّ تطفئ غضب الرّب، إضافة لما في صدقة السّرّ من فقه وأدب اجتماعي يحفظ كرامة الفقير ويسهّل عليه الاندماج في المجتمع ويبقى أنّ الإشهار الّذي يظهره في وسائل الإعلام من الأفعال المستحسنة لإبراز دور الجمعيّات والمؤسّسات الخيريّة في المجتمع، وخدمة مشاريع الإحسان، وبعث روح التّنافس في هذا المجال والله أعلم.