وثيقة تاريخية مهمّة مخطوطة في تاريخ الثورة الجزائرية وجهاد العلماء تظهر لأول مرة بولاية أدرار
نشر مولاي عبد الكريم حساني صاحب كتاب فحص الدفاتر المذكور نص هذه الرسالة في كتابه دون صورتها المخطوطة،وبعد اتصالي به مشكورا وأطال الله في عمره وتبيني له أهمية هذه الرسالة في تاريخ الجزائر الثوري أهداني مصورة من مخطوطتها عن أصلها المحفوظ بأرشيف المدرسة الطاهرية المذكورة، فرقنتها في هذا المقال مصلحا ما كان من سهو الرقن في كتاب فحص الدفاتر.
هذا نص رسالة مخطوطة حري بها أن تنقش على لوحة من رخام وتعرض في متحف المجاهد بالعاصمة الجزائر وبولاية أدرار؛ وجدها المؤرخ الجزائري الدكتور عبد الله حمّادي الإدريسي(مختبر البحث التاريخي تاريخ الجزائر بجامعة وهران) في أرشيف المدرسة الطاهرية بالعلوشية بسالي بدائرة رڤان بولاية أدرار بالجزائر،بعثها إلى قائد عرش مدينة رڤان بولاية أدرار-ومثلها أيضا بنفس الكلمات إلى قائد عرش مدينة تميمون بولاية أدرار أيضا -مؤسس هذه المدرسة الدينية -المدرسة التي تأسست سنة 1944م- العلامة الجزائري المجاهد مولاي أحمد الطاهر بن عبد المعطي الإدريسي الحسني السباعي التواتي (1325هـ/1907م -1399هـ/1979م) رحمه الله،وهو يومها بأرض المهجر بعد مضايقة المستعمر الفرنسي له بسبب تصدّيه لمشروع فصل الصحراء عن الشمال بولاية أدرار وصحرائها الجزائرية ،وإفشاله مساعي قاضي تنبكتو بمالي يومها محمد محمود الأرواني المكلف بهذه المهمة من قبل فرنسا واضطراره-أي الشيخ مولاي أحمد- إلى الهجرة من أرض الوطن سنة 1958م لهذا السبب،فكتب هذه الرسالة بخطه المؤرخة بتاريخ 06 جويلية 1962م بمناسبة استقلال الجزائر بتاريخ 05 جويلية 1962م يهنأ فيها الشعب الجزائري بالاستقلال وينصحه بالتمسك بإرشادات حكومته والحفاظ على الوحدة الوطنية،ويذكر فيها الشيخ ما ذاقه وتلاميذه من العدو الفرنسي من مضايقات بالمدرسة التي كانت مأوى للمجاهدين،وكانت تدعم الثورة التحريرية بالنصائح والإرشادات والمال والرجال.
((الحمد لله وحده،وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله:06/07/1962م.
من كاتبه الذي وضع لإسمه آخر رسمه إلى سعادة قائد عرش رڤان وجماعته الشرفاء والمرابطين والعرب وغيرهم،كل واحد باسمه وكريم وسمه،هذا فالحمد لله،والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،ما دامت للبحر حركاته،وبعد؛
فيهدي المحبّ بعد شوقه الذي لا يحصر,وكنتم قلبه الذي بغير لقائكم لا يجبر،وأنّه لا زال يتذكر أياما مرت لنا معكم،ما كان أحلاها وأوقات سلفت لنا معكم،وليالي مضت قصارا ما كان أهنأها،ليالي ما كنت بغير النظر أقنع منكم،ولا بالسماع أتصبر عنكم،وها أنا قبل اليوم راض بدون ذلك،متأسفا على هنالك،وبقلبي عليكم شوق أقلق الأحشاء بتصاعد الزفرات ،وأذاب بناره المهج والنفوس وأجراها على صفحات الخدود عبرات،وأضر جفنه القريح تتابع السهر والسهاد،وفتت حبلها قلبه الجريح بطول الفرقة والبعاد عن هاتك البلاد بلاد الصالحين والزهاد.
وإن سألتم عن حالنا بعدكم فإنّه كحال محبّ زاد غرامه،وتضاعف وجده وهيامه،وكثرت أسقامه، وطال داؤه ،وعزّ دواؤه،وتوالت أحزانه،وتحركت أشجانه،وفاضت دموعه،وتفرقت جموعه،وزاد اشتياقه,ومرَّ مذاقه،وشطت داره،وبعد مزاره،وقلّ اصطباره،وحلّت به لبعادكم جميع الأسقام،وقد أقسم العين والقلب أن لا يذوقا سرورا ولا غمضا،وتحالفا أن لا يزالا على البكاء حتى يرى بعضنا بعضا.
والقلم لا يقدر على التعبير بما يكنه لكم الضمير،وإني لأرى من الواجب عليّ ونحن في هذه الأيام التي تسري فيها لأجسامنا الحياة كما يسري الماء في العود،حيث طلع على قطرنا ووطننا العزيز الجزائري سعد السعود،وكان لزاما علي أن أرسل إليكم هذه الرسالة وأزف لأهل الوطن جميعا هذه البشارة،وإن كنت أنا من أحوج النّاس لمن يبشرني،وقد تحققت أمنيتنا ولله الحمد،وطال ما كانت أنفسنا تتشوق إليها وتتشوف ليومها منذ زمن طويل حين كنا في أصعب الظروف وأشد الأزمات،حيث كان الواحد لا يأمن على نفسه وحريمه من الاستعمار الظالم ،حيث أخرجنا من ديارنا وأبنائنا بعد التهجم علينا وعلى طلبتنا ومحلاتنا،وما ذقناه من أنواع المرارة في تلك الأيام ،وقد تحققت أمنيتنا ولله الحمد بفضل كفاح جبهة التحرير، ومواصلة جهودها وصبرها في سبيل تحرير البلاد ،وتبصر الحكومة الجزائرية وتيقظها وفطنتها وقدرتها على الأخذ بزمام الأمور ،وقَود هذه السفينة إلى ساحل النجاة،وقد كانت خارج الوطن،فأحرى إذا كانت داخله،أسعد الله هذه الدولة المباركة وحرسها وألقى محبتها في القلوب ،وغرسها وأنبتها نباتا حسنا وكفلها بزعمائها الأبطال وحماها بعلماء الشريعة الإسلامية حتى توتي أكلها كل حين بإذن ربها.
وكما أهنئكم بهذه البشرى أقول لكم:كونوا على حذر وتبصر وتيقظ،ولا تنخدعوا للمستعمرين وعملائهم،فإن الاستفتاء قد حان أوانه،ووصل إبانه،والاستعمار لا تنقطع أطماعه ولو كان يلفظ نفَسَه الأخير،فلا تغتروا بأكاذيبه وأباطيله،وكونوا على حذر من حيله وأدواره التي يلعبها في كل مناسبة وفي كل فرصة،وتتبعوا إرشادات الحكومة الجزائرية،فإذا أنتم فعلتم بمقتضى هذه النصيحة،فإنكم تسجلون في تاريخكم صفحات حسنة،وهذه نصيحتي لكم علانية وإن كنت قبل هذه المدّة على اتصال دائم مستمر بنصائح لتلامذتنا الموجودين في ذلك القطر سرّا خوفا عليهم،واليوم أنصح القطر علانية والسلام.
وأرجو من سيادة القائد أن يقرأ هذه الرسالة على جماعته،والسلام عليكم ورحمة الله.
مولاي أحمد الطاهر الإدريسي الحسني لطف الله به أمين.))اهـ.
د/عبد الله حمّادي الإدريسي مؤلف وكاتب في تاريخ الجنوب الغربي الجزائري وتحقيق تراثه التاريخي والثقافي المخطوط وعضو بمختبر البحث التاريخي -تاريخ الجزائر- بجامعة وهران 1 أحمد بن بلة –الجزائر.