أَلِفَ الجزائريون أن الأسماء الثقيلة والقوية عادة ما تحتل الصفوف الأمامية وتكون في الواجهة، غير أن هذه القاعدة يبدو أنها انكسرت على أسوار البرلمان.
قد لا يخفى على المتتبع للحراك الأخير في أروقة البرلمان أن شرارته التي كادت تأتي على أعلى مؤسسة تشريعية أشعل فتيلها رجل بعيد عن الأضواء تمامًا.. فمن يكون هذا الاسم الذي أسقط المجاهد السعيد بوحجة من رئاسة البرلمان، ليجلس في مقعده معاذ بوشارب؟.
من جامعة الحقوق إلى المؤسسة التشريعية
بشير سليماني.. العلبة السوداء أو الموظف اللغز، كما يُوصف داخل أسوار البرلمان، من مواليد 9 فيفري 1955 بالبويرة، هو خريج معهد الحقوق، بدأ نشاطه المهني في وزارة الصناعة عام 1979 وظل بنفس الوزارة إلى غاية 1991 حيث تقلد عدة مناصب، منها رئيس مكتب سنة 1981، نائب مدير بين الفترة الممتدة من 81-1985، وبعدها شغل منصب مفتش ( 85-1988)، ومديرًا للتنظيم في بداية التسعينات.
سليماني، التحق بمنصب أمين عام الخطوط الجوية الجزائرية سنة1991 ولكن تمت إقالته في نفس السنة، ليلتحق بعد ذلك بالصندوق الوطني للتوفير كمدير عام مساعد أين إشتغل لمدة عامين ونصف تقريبًا. ويَذكر عدد من الذين اشتغلوا معه في وزارة النقل بأنه عمل معهم لمدة أربع سنوات تقريبًا، أين شغل هناك منصب مفتش رئيسي.
قبة البرلمان.. البداية
دخول بشير سليماني، إلى المجلس الشعبي الوطني كان سنة 1997 حيث إلتحق بمنصب مدير عام للإدارة والوسائل قبل أن تتم ترقيته إلى منصب أمين عام مساعد بعد ثلاث سنوات، لكن “عدوه” اللدود أبوبكر عسول تمكن من دفعه إلى خارج المجلس سنة 2003.. ليُعيده العربي ولد خليفة رئيس المجلس الشعبي الوطني السابق أمينًا عامًا للمجلس عام 2014.
وينقل مقربون منه أن سليماني لا يحب أن تُذكر في مساره المهني فترة عمله في وزارة البيئة رفقة الوزير السابق شريف رحماني.. وهي الفترة التي يتحاشى الخوض فيها خاصة منذ أن هاجمه النائب السابق مسيوم المعروف بـ”سبيسيفيك” في جلسة علنية منقولة على التلفزيون العمومي.
وقتها اتهم الطاهر ميسوم، بالاسم الأمين العام للمجلس الشعبي الوطني بشير سليماني بـ “الفساد” وسوء التسيير المتعمد ولكن هذا الأخير لم يرد على الاتهامات الموجهة إليه من طرف سبيسيفيك.
ظل كلام الأخير مجرد حديث دون أدلة.. لكن اللافت أن ميسوم غادر البرلمان، أما بشير سليماني عاد إليه من أوسع أبوابه عقب أزمة برلمانية عاصفة أطاحت برئيسه السعيد بوحجة.
ارتفاع أسهم سليماني
فجأة، ارتفعت أسهم بشير سليماني، في أزمة البرلمان التي تفجرت بشكل علني يوم 23 سبتمبر 2018، وهو التاريخ الذي قرر فيه رئيس المجلس الشعبي الوطني، السعيد بوحجة، إنهاء مهام أمينه العام دون إدراكه لعواقب القرار.
نقلت يومها الصحافة بيان أصدره المجلس الشعبي الوطني جاء فيه أن “السعيد بوحجة أنهى مهام الأمين العام للمجلس بشير سليماني، وكلف رئيس الديوان الهاشمي عدالة، بمهام الأمانة العامة بالنيابة.
تنحية بشير سليماني، من الأمانة العامة من مبنى زيغود يوسف، لم تمر مرور الكرام، بل كانت الشرارة التي أطاحت بالسعيد بوحجة في سيناريو كانت فيه الغلبة لشرعية الأمر الواقع على حساب الشرعية الدستورية، وهي الكلمة التي وظفها الوزير الأول أحمد أويحيى في تعليقه على مطالب نواب الموالاة بتنحية السعيد بوحجة من منصبه.
تولى نواب الموالاة ( 5 كتل برلمانية) مهمة الدفاع عن بشير سليماني دون أن يظهر الرجل نهائيًا، فقاد هؤلاء مشاورات مع السعيد بوحجة بغية إقناعه بضرورة إرجاع الأمين العام إلى منصبه، لكن بوحجة ظل متمسكًا بموقفه رافضًا إعادة سليماني، لتكون النتيجة عزله وانتخاب معاذ بوشارب على رأس المؤسسة التشريعية.
بين العودة والولاء
يبدو أن معاذ بوشارب “حفظ الدرس” جيدًا، فكان أول إجراء اتخذه عقب انتخابه رئيسًا للمجلس الشعبي الوطني بالأغلبية من طرف نواب الموالاة وفي غياب المعارضة، إعادة الأمين العام المعزول بشير سليماني إلى منصبه.
عودة كانت تحصيلاً حاصلاً.. لأن الذين اختاروا معاذ بوشارب على رأس المجلس هم نفس الأشخاص الذين طالبوه بإعادة سليماني إلى منصبه كأمين عام للمجلس”. هذا ما يتم تداوله في كواليس داخل أروقة الغرفة السفلى للبرلمان.
عودة سليماني إلى أمانة الغرفة السفلى للبرلمان، فتح باب التساؤلات واسعًا عن هذا “الموظف” الذي تسبب في إسقاط رئيس المؤسسة التشريعية المنتخب لمدة 5 سنوات (السعيد بوحجة) وعن “الأشخاص” الذين يقفون وراءه وعن طبيعة الخدمات والمصالح التي يضمنها ويسهر عليها سليماني لحساب من تصفهم المعارضة بـ “الانقلابين” على الدستور والشرعية.
عودة سليماني إلى منصبه بهذه الطريقة يعني أن معاذ الرئيس الجديد للمجلس سيكون مضطرًا للتعامل مع أمينه العام وتحت رقابة هذا الأخير لأن سليماني معين من طرف الذين عينوا معاذ بوشارب وليس من طرف معاذ نفسه، وبالتالي فولاء سليماني سيكون أولاً للذين “أمروا” معاذ بضرورة إعادته إلى منصبه وليس لرئيس المجلس الجديد الذي وقع على قرار عودته إلى الأمانة العامة للمجلس.
ولقد كانت قضية “ولاء” بشير سليماني، دائمًا مشكلة حقيقية عانى منها كل من رئيسي المجلس السابقين، فالدكتور العربي ولد خليفة، وبسبب قضية الولاء هذه قام بتنحيته من منصبه في بداية سنة 2014 بعد أن اكتشف بأن أمينه العام يشتغل لحساب مجموعة من الأشخاص داخل وخارج المجلس(نواب، ونواب رئيس ورؤساء كتل ووزراء) لكنه وتحت ضغط هؤلاء اضطر إلى إلغاء قراره وأعاده إلى منصبه في أقل من 24ساعة.
نفس المشكلة تكررت مع السعيد بوحجة، فقام أيضًا بتنحيته من منصبه ليتحرك نفس “الأشخاص” بالضغط على بوحجة ومطالبته بضرورة إعادة سليماني إلى منصبه بدعوى أن هذه “أوامر من الرئاسة” لكن وعكس العربي ولد خليفة لم يتراجع عن قراره فدخل في حرب كلفته خسارة منصبه.
أكرم.س