الشيخ الطّاهر آيت علجت حفظه الله، راية من رايات العلم والمعارف في ربوع الجزائر، نشأ في بلدة تمقرة ببلاد القبائل بين البويرة وبجاية، وبها تلقّى علومه ومعارفه، ضليع في الفقه والنّحو وعلوم الشّرع، سخّر حياته للعلم وتبليغه من خلال إشرافه على العديد من المدارس والحلقات العلمية والتزامه بالمسجد قرابة ستّ عقود، ساهم في ثورة التّحرير خطابا وقلما وسلاحا، يتميز بشخصيّة هادئة، وبديهة حاضرة وحجّة دامغة، وثغر باسم، حييّ كريم متواضع، تخرّجت على يديه قوافل العلماء والدّعاة والإطارات السّامية.
تشرّفت بالجلوس إليه مرّات عديدة، منها زيّارتي له بمقرّ إقامته بدار الضّيافة لولاية ورقلة بمناسبة الملتقى الوطني الأول للسيرة النّبوية الذّي نظّمته مديرية الشّؤون الدّينيّة شهر ربيع الأول سنة 1433 هجري وفيها حدّثني عن التفاف الشّعب الجزائري حول قيادة الثورة الجزائرية منذ اندلاعها يوم الفاتح من نوفمبر 1954م فقال: [لقد تفاعلت كلّ الفئات مع أحداث الثّورة المتسارعة، تتابع أخبارها وانتصاراتها بالفخر والاعتزاز الكلّ يعرض خدماته رغم حالات الفقر والعوز الّتي كانت عليها الغالبيّة العظمى من الجزائريين والجزائريّات، وأمام بطش قوّات الاحتلال الفرنسيّ وتضييق الخناق على تحرّكات المجاهدين ازدادت حماسة الموّاطنين وقويّ التفافهم حول الثّورة ورجالها، فكانت التّضحيات الجسام.
وقد سعدت شخصيا بمهمة كلّفني بها القائد الشّهيد عميروش في بداية الثّورة المباركة وهي التـوجّه إلى الزّيتونة في تونس لإتمام إجراءات التحاق بعض الطّلبة المجاهدين بمعاهد الزّيتونة، فتوكّلت على الله وتنقّلت ماشيّا على قدميّ هاتين قرابة الشّهر متحدّيا كلّ حرّ وقرّ متخفيا على الأعين، سائلا الله أن يحفظني من كلّ مكروه، وأحسب أنّ غيري من الأبطال فعل مثل هذا وأكثر، فهذا وطننا واجب علينا أن نحرّره ونخدمه ونرعاه ونحفظ له دينه وثوابته] .
حين يجالس أحدنا أمثال هؤلاء العلماء العاملين الجهابذة المجاهدين يحسّ بالفخر والاعتزاز لكّنه في الوقت نفسه يتأسّف لحال أمة لا تعرف لهؤلاء قدرهم وفضلهم، وهم الذّين صنعوا الحياة في وطن تكالبت عليه قوّى الشّرّ والعدوان، فسخّر الله أمثال هؤلاء ليحفظوا للوطن حرّيته وإسلامه فكانت حياهم تضحية وفداء! يا شباب اليوم بمثل هذه الرايات تكون قدوتكم، وبمثل تضحياتهم تنال مطالبكم، فإلى الجدّ والعمل إن كنّا نريد عزّة وحضارة وشهادة على النّاس.