وعود حكومية وشكاوى أجنبية

تتعرض الجزائر في الآونة الأخيرة لعدة انتقادات من طرف مستثمرين محلين وأجانب يعتقدون أن الإصلاحات الاقتصادية المُعلن عنها من طرف الحكومة لتحسين مناخ الأعمال، مجرد واجهة لواقع معاكس تمامًا يميزه ثلاثية عدم استقرار القوانين، غياب الشفافية وتفشي البيروقراطية.

تصريح السفير الأمريكي الأخير، جون ديروشر، عن عجز شركات بلاده الراغبة في الاستثمار بالجزائر على “التنبؤ” بالقرارات الاقتصادية للحكومة، لم يكن الأول من نوعه، فقبله عبّر مستثمرون محليون عن “انزعاجهم” من العراقيل التي تضعُها الجزائر في وجه الراغبين ببعث استثمارات “جدية”.

صورة سوداء

فخلال الأربع سنوات الماضية، سارعت الحكومة للإعلان عن تقديمها مزايا للمستثمرين، إلا أن ذلك لم يغير من الواقع شيئًا بسبب كثرة العقبات والعراقيل الإدارية، بحسب رئيس جمعية استشارات تصدير وخبير التجارة الخارجية إسماعيل لالماس.

وبرأيه، فإن شح تدفق الاستثمارات في الجزائر سببُه إجراءات تنظيمية وقانونية تمنع إقامة استثمارات جدية، “فالأجانب لا يأتون للاستثمار في الجزائر في ظل مناخ غير شفاف يشتكي منه المستثمرون المحليون منذ عقود”.

إلى ذلك، يُؤكد إسماعيل لالماس في تصريح نقله عنه ـ” TSA عربي”، أن غياب الشفافية والوضوح في النظرة الاقتصادية وعدم استقرار القوانين، أثر على صورة الجزائر من الناحية الاقتصادية وجعلها هشة كثيرًا وعُرضة لانتقادات الدبلوماسيين الأجانب”

بالنسبة إليه، الجزائر تخلفت كثيرًا عن الدول التي رسمت استراتيجية واضحة وقوية لتطوير الاستثمارات، فكل الحكومات فهمت أن الذهاب إلى الاستثمار المربح الذي له قيمة مضافة يحرك الاقتصاد، إلاّ الجزائر التي تضع عراقيل في هذا المجال”، وفق تعبيره.

تخوفات وضغوط

بالمقابل يرى لالماس، أن تخوفات الحكومة من فقدان السيادة الوطنية في حال فتح الباب أمام المستثمرين الأجانب “غباء سياسي”، لأنه لا يمكن الحديث عن السيادة في وقت تستورد فيه الجزائر كل شيء تقريبًا.

ويُشير في السياق” السيادة تكون عندما نبنى اقتصاد قوي متنوع، نضمن به نوعا من الاستقلالية الغذائية، لكن في الحالة الجزائرية، الوضعية الاقتصادية هشة مبنية على ثروة غير متحكم فيها، مضيفًا :” نحن لم نفعل شيء للتحرر من الريع البترولي، المشكل في الأشخاص وغياب سياسة واضحة وتهميش الكفاءات”.

على العكس من هذا، يرى الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحمن عية، أن سبب تخوف الحكومة من فتح الاستثمار الأجنبي، راجع إلى توجسها من مواجهة ضغوط مستقبلية من تلك الدول، دون إنكاره بأن مناخ الأعمال في الجزائر غير مشجع تمامًا .

ويؤكد عبد الرحمان عية في تصريح لـ” TSA عربي”، أن الحكومة تعتقد بفتحها للاستمارات أمام الأجانب ستتخلى عن جزء من سيادتها الوطنية وتفقدها حرية في اتخاذ القرار الاقتصادي، على اعتبار أن الدول الأجنبية تسعى دائمًا للحصول على المزيد وبإمكانها التدخل في القرارات السياسية الكبرى واستخدام مشاريعها الاستثمارية كورقة ضغط كما هو حاصل في عديد من الدول.

كمثال على ذلك، العقوبات الأمريكية على إيران، والتي أجبرت شركة توتال الفرنسية الناشطة في مجال النفط على الانسحاب من طهران، وبالتالي يقول- عية – إن تجنب الضغط الخارجي يجعل الجزائر  غير متحمسة للفوائد الاقتصادية الناتجة عن الاستثمارات، كخلق يد عاملة وضخ العملة الصعبة في خزينة الدولة.

وفي رده على سؤالنا: ألا تعتقدون أن الحكومة تبالغ كثيرا في تفكيرها، يجيب الخبير الإقتصادي :” هناك مبالغة، لأن اللوبيات تُحرك مناخ الاستثمار في الجزائر وتعتقد بأنه من  المصلحة الحالية لبلادنا هي الاستمرار في التبعية للاقتصاد الفرنسي”.

ويُعرج ذات المتحدث إلى إشكالية استيراد الجزائر للقمح، موضحًا ” ظلت بلادنا تستورد القمح الفرنسي مقابل عقود للغاز لسنوات، لكن بمجرد تحولها نحو استيراد القمح الروسي، أطلق سفير فرنسا السابق تصريحات عن إمكانية مراجعة باريس عقود الغاز الطبيعي”.

هنا يطرح عبد الرحمان عية، أسئلة عن توجه الجزائر لاستيراد القمح الروسي، هل هو حقيقة قرار استراتيجي أم متسرع، أم تهديد لباريس، وماهي إمكانية رضوخ فرنسا، والمكاسب التي ستجنيها الجزائر؟

فشل حكومي

وبالرغم من أن الحكومة أعلنت في مناسبات عدة عزمها تنويع الاقتصادي الوطني منذ بداية الأزمة النفطية منتصف 2014، واتخاذها لعدة تدابير منها نظام رخص الاستيراد ووقف بعض المواد من دخول مواني الجزائر إلا أنها فشلت برأي إسماعيل لالماس.

ويُشير ” الحكومة فشلت في كل التدابير التي أقرتها منذ بداية الأزمة النفطية، ولم تصل إلى الأهداف المسطرة كالتحكم في الواردات، تطوير الصادرات ووقف نزيف العملة الصعبة، بالعكس تم اتخاذ قرارات انتحارية كاللجوء إلى طبع النقود”.

من جهته يُؤكد عبد الرحمان عية، أن نتائج الإجراءات المتخذة قبل أربع سنوات من طرف الحكومة غائبة تمامًا، ولا وجود لأي أثر اقتصادي كلي، بدليل استمرار تقلص احتياطي الصرف من العملات الأجنبية ( الدوفيز)، العجز في الميزانية ومحاولة تغطيته باللجوء إلى التمويل غير التقليدي ( طبع النقود) بالإضافة إلى عدم قدرة الإنتاج الوطني على الإقلاع.

أكرم.س

عن ahmed

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

%d مدونون معجبون بهذه: