الشيخ مولاي أحمد الطاهر الإدريسي الحسني السباعي التواتي الجزائري
“جهد وجهاد تزكية وعطاء”
بقلم: الشيخ عبد الكريم بن سيد المهدي حساني
مما لا شك فيه أن المدرسة الطاهرية قد أبلت بلاء حسنا في خدمة الإسلام، والعلم وخدمة الوطن وظل معينها ثرا لا ينضب، وحملت ميراث النبي صلى الله عليه وسلم بحق، فتحقق فيها مراد النبي صلى الله عليه وسلم يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين فكتب الله لها القبول والنجاح، لان مؤسسها رحمة الله عليه بناها على الإخلاص فرابط على ثغور العلم والإيمان، ورابط على ثغور حب الأوطان، وما ينفع الناس فيمكث في الأرض.
فالشيخ مولاي أحمد رحمة الله عليه جاهد بقلمه وعلمه ووقته وطلابه أيام الاستدمار الغاشم الذي حاول تجهيل وتنصير وتفقير المجتمع الجزائري فنزل شيخنا رحمة الله عليه على هذه الديار التواتية المباركة ، ونشر فيها العلم الصحيح والفهم المتين الرصين اقتداء بجده عليه الصلاة والسلام فتصدى الشيخ رحمة الله عليه للمستبد الغاشم ومحاولته الفاشلة لطمس معالم الهوية الوطنية ، وسلب خيرات هذا الوطن فانبرى الشيخ يحث على الجهاد ، و يقوم بتغذية النضال فيجتمع بعد صلاه العشاء مع أعيان المنطقة من سالي إلى رقان يحذرهم من المستبد ومخططاته بل كان الشيخ في كل مناسبة تجمعه بالمجاهدين الذين كانوا يترددون علي بيت الشريف السي مولاي المهدي بن السي حمو صاحب الأيادي البيضاء ، إلا ويذكرهم بضرورة الجهاد وفضل الاستشهاد ، ويقوي من عزائمهم ويبعث في خوالج أنفسهم الاصرار الممزوج بالأمل المعقود في الله ، بأن هذا الوطن سينعم بالحرية والاستقلال في يوم من الأيام، كما كان السي مولاي المهدي رحمه الله من المجاهدين الكبار بمعية إخوانه ونذكر منهم بالخصوص سيدي مولاي عبد الله يستشيرونه في أمر الثورة والجهاد، والشيخ رحمه الله يدلي لهم بالرأي الصواب والمشورة السديدة.
ومن المشورات التي أشار بها الشيخ مباركته لإنشاء مركز للجهاد في العلوشية بسالي ، وقد كان مركزا حيويا ونقطة ارتكاز هامة في تاريخ نضال التحرير، والمنطقة الجنوبية بالخصوص ، كما لا يخفى على قارئ التاريخ والمتفحص لحقائقه أن الجبهة الجنوبية بمالي قد لعبت دورا محوريا في استقلال الجزائر ، والمرتكز كان هو المركز الذي ضم رفقاء في الجهاد، وعلى رأسهم السي عبد القادر المالي الاسم الثوري لفخامة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة والمجاهد محمد الشريف بن سعدية ، وعبد الله لهوشات واحمد دراية والسي محمد الزاوي ومولاي عبد الله بن السي حمو كما تذكر كتب التاريخ أن ازيد من 650 جنديا تدربوا في هذا المركز ولا تزال سيارة 403 من نوع بيجو شاهدة على هذا الكفاح التي كانت تسمى سيارة الخاوة وكل هذا بفضل مشورة الشيخ وحسن استشرافه للثورة ، كمان ان الشيخ قد كلف بعض تلامذته وهو والسي خلادي محمد رحمه الله بان يحمل رسائل للمجاهدين وبعض المعونات المالية لدعمهم بها مما جاد عليه بها أهل الفضل والجود والكرم فكان الطالب خلادي يتنقل بين سالي وادرار و تيميمون وبشار ذهابا وإيابا وفي كل مرة ينقل أخبار المجاهدين للشيخ وسلامهم والتماس الدعاء من الشيخ ، ولما علم المستدمر الغاشم بنشاط الشيخ الجهادي وتحريض الشعب ضدهم ضيقوا الخناق عليه حتى أنهم وصل بهم الحد أنهم ضربوا الشيخ أمام طلبته ومريده وأوقفوه في الهاجرة وهو يتصبب عرقا ، وعمدوا الى غرف الطلبة ورموا بالألواح والكتب في ساحة المدرسة ، لكن كل هذا لم يثن الشيخ عن نشاطه وتعبئته للجهاد، فنذر بعض طلبته ليكونوا سواعد في جيش التحرير الوطني بل أمرهم بالالتحاق بصفوف القتال ونذكر منهم على سبيل المثال الطالب المجاهد الحاج عبد الرحمن العبادي من قصر الحاج قلمان بتيميمون، والطالب المجاهد الحاج عبد الله عرابي من بشار الذي شغل فيما بعد محافظا لجبهة التحرير الوطني ثم مديرا للتربية بأدرار، والطالب المجاهد الفقيه الشيخ الحاج العيد حجاج من بلدة المنيعة ا لذي أمره الشيخ بالالتحاق بالثورة منذ قيامها فكانت عائلته كما هو معروف لدى الخاص والعام مجاهدة وكان منزلهم مركزا للمجاهدين ومتجرهم كان مصدر تمويل للمجاهدين بالمال والغذاء ومنهم ابن عمه حجاج أحمد، ومن المجاهدين الاشاوس ابن عمه حجاج عبد الرحمان الذي مات شهيدا، وكان أخوه اي الفقيه الشيخ الحاج العيد حجاج محمود من رفقاء العقيد محمد شعباني والساسي حسين والسعيد عبادو وأمين منظمة المجاهدين وكانوا في الولاية السادسة وقد سجن عمه وكذلك ألقي القبض على حجاج العيد وسجن وعذب في السجن وهرب من السجن وصار متخفيا عن فرنسا حتى الإستقلال ، والطالب المجاهد كرومي الحاج احمد بالبليدة والطالب المجاهد سي ناصر بن المبروك ، لكن المستعمر قد جعل جواسيس تأتيهم بأخبار الشيخ ونشاطاته فانتهى الى مسامعه مدى تأثير الشيخ في المنطقة وأهلها وانه هو الذي يحرضهم ويدفعهم للجهاد.
كما لا يخفى على أحد من المؤرخين فقد أوذي الشيخ إذاية شديدة ، وذلك لوقوفه ضد فكرة فصل الجنوب عن الشمال وتصديه للشيخ احمد محمود الاروني الذي روج لفكرة فصل الجنوب عن الشمال بإبعاز من المحتل ، فجاء عساكر المستبد الغاشم إلى الزاوية الطاهرية بسالي ومعهم سيارات كثيرة ، وكان هذا بأمر الكولونيل ” نيكلو” فجلبوا الشيخ وأخرجوه من المدرسة عنوة بدون عمامة، ونكلوا به غاية التنكيل وسجنوه فلما سجن الشيخ بسجن رقان تحرك الأعيان وذهبوا للقائد برقان ، وقد كان المستدمر قد اتخذ قرارا بتحويله من رقان الى ادرار ثم الى بشار ومن ثم الى سعيدة لينفذ فيه حكم المحكمة العسكرية لأنه فلاق وتاريخ الشيخ في النضال والكفاح شهد به القاصي والداني وشهد به وعليه اعيان المنطقة فكان يتمتع بحس وطن عال جعله يبذل نفسه ووقته من اجل هذه قضية الأم، فقد كان شوكة في حلق المستدمر الغاشم بأن قوض خططهم وأفشل رميهم، وقد ذكر تلميذه الشيخ محمد باي بلعالم في كتابه الرحلة العلية بعض من مواقفه وجهاده ضد الاستدمار الفرنسي، وذلك بحنكة ودراية وحصافة عز نظيرها. رحمة الله عليه فقد جمع بين جهاد القلم وجهاد النفس.