من معارك التحرير بمنطقة وادي ريغ – بقلم البروفيسور رضوان شافو

الذكرى 57 لمعركة القصور بالمقارين

 بقلم المؤرخ  البروفيسور رضوان شافو

 استاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الوادي

لقد ارتبطت منطقة وادي ريغ بروابط تاريخية أبدية بالوطن الجزائري منذ عقود خلت، فلما وقع الاحتلال الفرنسي تحولت هذه المنطقة إلى قاعدة خلفية للمقاومة الشعبية، وبالتالي فان اهالي المنطقة كانوا على أتم الاستعداد للعمل العسكري في البدايات الأولى لاندلاع الثورة التحريرية، لكون أن هذه القابلية هي امتداد تاريخي للمقاومات الشعبية منذ 1854م، وعليه فان إندلاع ثورة أول نوفمبر 1954 م كان له وقعٌ متفاوت على سكان منطقة  واد ي ريغ ، إذ لم يكن عامة الناس على علم بالحقائق الجارية في الشمال ،إلا القليل منهم اذ كانوا يراقبون الوضع من بعيد ، ويستفسرون عما يجري هنا وهناك ، ويسألون المسافرين القادمين من الشمال ،وتجار التمور والناقلين للبضائع والسلع من وإلى مدن و قرى ومداشر الشمال خصوصا القادمين من بسكرة و باتنة و قسنطينة ،بالنسبة  لوادي ريغ، و القادمين من الجلفة والمدية و الأغواط ، بالنسبة لورقلة فينقلون لهم ما يجري ،و يصفون لهم الأحداث و العمليات التي تستهدف مقرات الشرطة والدرك والمراكز الحيوية ،ونقل الأخبار عن تصفيات الخونة و العملاء ،وتنفيذ الإعدام في غلاة المستعمرين ،و من ثم بدأت التعبئة الثورية تتم بين اهالي المنطقة ،لتبليغ أصداء الثورة والأسباب الحقيقية التي دفعت بالوطنيين لتفجيرها ،وخوض غمارها وشرح أهدافها ،وكان ذلك عن طريق الأفراد الذين كانت لهم علاقات أسرية أو اجتماعية.

وفي العام الاول للثورة التحريرية لم تحض منطقة وادي ريغ بتأسيس فرق لجيش التحرير الوطني مثلما كان في شمال البلاد، غير أن المسؤولين المحليين، وبالتنسيق مع بعض قادة الثورة التحريرية الذين زاروا منطقة الجنوب الشرقي الجزائري تم تشكيل خلايا مدنية ثورية تابعة لجبهة التحرير الوطني منذ سنة 1955،حيث دخلت الى معركة التحرير من خلال مختلف العمليات الفدائية والاشتباكات والعمليات العسكرية، واخص بالذكر في هذا السياق معركة القصور التي حدثت في 27 اوت 1961 بمنطقة المقارين(كما تعرف عند الاهالي بمعركة بورخيص).

وتعود حيثيات هذه المعركة حسب روايات المجتمع المحلي أنه خلال الثورة التحريرية كانت منطقة بورخيص تتضمن مركزا لتجمع المناضلين المحليين الثوريين يعمل على جمع الاشتراكات والتبرعات، واستقبال بعثات جبهة وجيش التحرير الوطني، وتجدر الإشارة إلى أن هذا المركز كان يقع على حواف الغابة وبالضبط بخيمة من الشعر لصاحبها الشهيد جواحي حشود، وعلى خلفية وشاية من أحد الخونة الذي اخبر السلطة الاستعمارية بمكان تواجد بعض المجاهدين ، حيث أوصلهم إلى منطقة بورخيص، أين حلّ أربعة مجاهدين بالمركز قادمين من منطقة (بئر عقاب) لأخذ قسط من الراحة والتزود ما تم جمعه من تبرعات واشتراكات ، ثم مواصلة طريقهم و هم: عبد الرحمان قوتال، التجاني قحمص،واحمد جواحي، ولخضر رمان(كان بلباس مدني)، وفي عشية ذلك اليوم الذي كان يصادف يوم السبت 26 أوت 1961 م ، وفي حدود الساعة السادسة مساءً قامت العساكر الفرنسية بمحاصرة المنطقة ،حيث ألقي القبض على بعض المجاهدين واعتقالهم بسجن (D’OP) بتقرت، ومنهم جواحي حشود صاحب الخيمة، والذي استشهد تحت التعذيب في شهر ديسمبر 1961، بينما الوفد الزائر من المجاهدين انسحب باتجاه غابات القصور والتي تبعد عن منطقة بورخيس حوالي 5 كلم2 بعدما اجتازوا خندق (السفالة)، ودخلوا بيتا لصاحبته ” مخلوفة بن عمر” ، حيث عملت هذه الأخيرة على تخبئتهم إلى غاية انقشاع خيوط الليل ، إلا أن الجنود الفرنسيين جاؤوا من الشمال عبر السكة الحديدية، اين حاصروا القرية من الناحيتين الغربية والشمالية بواسطة الشاحنات،وفرضت الرقابة الصارمة على المداخل الرسمية والثانوية،واستعملت الطائرات المروحية،وأغلقت الطرق المؤدية إلى القرية، وكثفت من إطلاق النار في الغابات،حتى ظن الأهالي في القرى المجاورة أن قرية القصور قد دمرت على رؤوس سكانها ، وخلال المعركة أصيب المجاهد قحمص التجاني الذي حمله زميله أحمد جواحي سعيا لإخفائه عن أعين العساكر في حالة تمشيط الغابة وأخفاه في منزل مهجور، وهناك أستشهد متأثرا بجراحة صبيحة يوم الاحد 27 اوت 1961 على الساعة التاسعة، وهو نفس المصير الذي لقيه القائد عبد الرحمان قوتال ليلتحق به  شهيدا على الساعة الحادية عشر صباحا من ذات اليوم ،أما لخضر رمان واحمد جواحي فقد تمكنا من الانسحاب نحو جنوب وادي ريغ.

ولقد أسفرت هذه المعركة على عدة نتائج منها : تكبّد الأعداء خسائر بشرية في صفوف القوات الفرنسية بين قتيل وجريح حسب الروايات الشفوية ،وعلى خلفية الخسائر البشرية الفرنسية  شنت السلطة الفرنسية حملات تفتيشية واعتقالات في صفوف المواطنين ،فرضت الضرائب الباهظة على الأهالي ، الأمر الذي أد بهم إلى ترك أرضيهم و أملاكهم و الهجرة نحو أماكن أخرى باتجاه شمال وادي ريغ ، زيادة على إقامة الأسلاك الشائكة في بعض الغابات خاصة منطقتي أعميش و المقارين القديمة.

وعليه فبالرغم من الروح الثورية التي تسمك بها أهالي منطقة المقارين والقصور للدفاع عن أرضهم ضد القوات الفرنسية الاستعمارية ،إلا أن هذه الأخيرة أصرتّ على البقاء في المنطقة مستخدمة كل أساليب العنف والقذارة الحربية ضد السكان العزل من قتل وتشريد إزاء دخولهم كل قرية أومدينة وجدوها في طريقهم، زيادة عن محاولتهم لقتل الروح الثورية عند الاهالي ، ولقد نتج عن هذه السياسة تخريب البلاد من جميع النواحي الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية.

عن amara

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

%d مدونون معجبون بهذه: