امتحان غريب وتصرّف عجيب
مع صناع الحياة
بقلم الاستاذ ابراهيم بن ساسي
الحاج عمر طواهير رحمه الله من بلدتي الرويسات في ورقلة، تاجر فذّ عليم بالنّحو، جمع بين التّجارة والفلاحة والطّب البديل، أديب شاعر لا يخلو حديثه من حكمة أو لطيفة أو فائدة، حدثّني يوم 22 / 10 / 1992م فقال: في موسم حج سنة 1968م كنت جالسا مع زمرة من الحجّاج في الرّوضة الشّريفة قريبا من القبر الشريف على صاحبه أفضل الصّلاة وأزكى السّلام فإذا برجل سينغالي أسود أبيض الشّعر طويل القامة عريض المنكبين يسلّم علينا ويسأل: من أي البلاد أنـتم معشر العرب؟ فـقـلت: من الجزائر، فقال: بلادكم ليست دولة ولكنّها قارة! من أيّ عمالة أنتم؟ فقلت: من عمالة الواحات {ولاية الواحات} فقال: أسألكم سؤالا واحدا: هل تركت فيكم فرنسا من يحفظ كتاب الله؟ فقلت مستغربا: نعم كثيرون عندنا يحفظون القرآن رجالا ونساء، وهذا معلّم للقرآن، وأشرت إلى سي الطالب محمد النّوي، فلم يصدّق الرجل، وقال: يحفظه كلّه، كلّه ؟ قلت: أي والله يحفظه كلّه، وأنا أحفظه أيضا، فازداد تعجّبه، وأخذ المصحف وقال: اقرأ عليّ بداية سورة البقرة ـ كأنّه يمتحنني ـ فقرأت فقال حسبك، اقرأ عليّ الآية كذا…وأكمل الآية كذا… ثم فعل الشّيء نفسه مع سي الطّالب محمّد النّوي.
أما ثالثنا فكان عثمان بن بكار حقيقة الذي أخبره بأنه يمتهن التّجارة ولكّنه يحفظ أكثر من نصف القرآن لمحافظته على حضور حلقة الحزب الرّاتب في المسجد، ولمّا تعرّف على أسمائنا قال: والله إنّ جلستنا لمباركة محمد عمر، عثمان، وأنا أخوكم في الله أبو بكر، وهذا ولدي عليّ قادم، أيّكم أكـبر سنّا؟ والله لأجلسنّ على ركبتيه! فأشرت مشفقاً إلى سي الطّالب محمّد النّوي، وهو كما تعلم لا يتعدّى وزنه الخمسين كغ، فقمنا وأجلسنا الرّجل على طرف ركبة سي الطّالب محمّد النّوي وبمجرّد أن لمسها قام متهلّلاً حامداً الله عزّ وجل، فبادرته بالسؤال قائلا: لمَ أصررت على فعل ذلك يرحمك الله؟ فقال: نحن معشر الأعاجم نعتقد اعتـقاداً جازماً لا تـشوبه شائبة أنّ الجسم الّذي حفظ صاحبه كتاب الله لا تمسّه النار فأردت أن يحتكّ جسدي بجسده لعلنّـي ألقـاها غداً يوم القـيامة!.
قصص كهذه، وأخرى كثيرة تبيّن مدى تقديس هؤلاء الأعاجم لكتاب الله على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وبلدانهم، فلو شغفت قلوب المؤمنين جميعهم ــ عربا وعجما ــ بالقرآن وملأ نور الكتاب حياتهم آدابا وتشريعا لفتحت لهم الأقطار والأمصار وكانت لهم الأستاذية على العالمين وفتحت لهم بركات السّماء والأرض، فإلى القرآن إن كنّا نريد مستقبلا وحضارة وشهادة على النّاس.