بين الإفراط والتّفريط
الشّيخ محمد باي بلعالم القبلاوي رحمه الله وطيّب ثراه أحد أبرز علماء الشّريعة والفقه في ربوع المغرب العربي، أثرى المكتبة العربيّة بعشرات المؤلّفات والمصنّفات، كان لي شرف الجلوس إليه والاغتراف من بحر علمه ومعين عطائه مدّة لا تقلّ عن ربع قرن، حدّثني يوم
13 مارس1997 في بيت الحاج محمد بن عريمة رحمه الله وسط حي بني ثور بمدينة ورقلة فقال : أوصيك وأمثالك من الباحثين والمؤرّخين والجامعين لحياة الأعلام والأمجاد أن يسألوا قبل أن ينطقوا أو يكتبوا فأهل مكّة أدرى بشعابها، وأن يجتنبوا الإفراط والتّفريط حتى لا يعطوا للحبّة ما للقبّة أو للقبّة ما للحبّة، ولا يستسمنوا ذا ورم، أو ينفخوا في غير ضرم، إذ ليس كلّ بيضاء شحمة ولا كلّ سوداء فحمة، ولا حياة لأمّة لا تعتني بأمجادها وأعلامها وعلمائها، إذ هم كواكبها وأقمارها ومعالمها ثمّ توّج درره تلك بهذه الأرجوزة الطّيّبة:
أوصيك يا بن ساسي أن تحقّقـا | في البحث ثم بعـد ذاك فانطقا |
|
وأهلّ مكّــــــــــــــــــــــــة لهــم درايــّة |
فاسألهـم وصحّح الرّوايــــــــــــــــــة |
|
واحذر من التّفريط والإفـراط |
وكن ما بيـــن ذين فياحتياط |
يا لها من وصايا جامعة خالدة حريّ أن يتزوّد بها كلّ باحث جاد يحرص على نقل الحقيقة دون تهويل أو تهوين، وهو ما نوصي به المربّين والدّعاة ورجال الإعلام الذين وجب عليهم التّثبّت والتروّي والتّأكّد قبل أيّ نشر أو إذاعة أو بث، فلا يغترّ أحدهم بزخرف قول وسحر مظهر وجمال منظر وصدق الشّاعر حين أوصى فقال :
لا تركننّ إلى ذي منظر حسن | فربّ رائعة قد ساء مخبرهــا | |
ما كلّ أصفر دينار لصفرتـه | صفر العقارب أرداها وأنكرها |