محطات من مساهمة وادي سوف في الثورة الجزائرية 1954-1962.الحزء الاول
البروفيسور محمد السعيد عقيب
– جامعة الوادي-
ثورة التحرير الجزائرية كانت ولا زالت تمثل نموذجا فريدا في الثورات ضد القوى الاستعمارية الكبرى في القرن العشرين، نظرا للخصائص التي ميزتها عن غيرها من الثورات حينها، فهي كانت شعبية حيث استطاعت لم شمل واستقطاب جل أطياف الشعب الجزائري للانخراط في صفوفها ومجالاتها، من فلاحين وعمال وطلبة وسياسيين ومثقفين ورجالا ونساء وحتى الأطفال، وكذلك ضمت حتى الأحرار الرافضين للقهر الذي تمارسه القوى الاستعمارية، زيادة على المناضلين الثوريين الذين تمرسوا على العمل المباشر في صفوف المنظمة الخاصة منذ إنشائها سنة 1947، فهم الذين بادروا منذ اشتداد أزمة حزب الشعب على المضي نحو الحل الأمثل الذي يقود لتحرير البلاد، وقد واجهت قوة من أعتى القوى في العالم آنذاك وهي فرنسا، بما تملكه من مقدرات وتحالفات في ظل الصراع الدولي بين الشرق والغرب حينها.
ولقد اتسع نطاق الثورة الجزائرية منذ انطلاقتها لتعم أغلب أرجاء الوطن على درجة مختلفة في عنفوانها وشدتها من منطقة لأخرى، حيث حرص المشرفين عليها من قادة المناطق على مد جذورها في أوساط الشعب وعبر أرجاء الوطن، شرقه وغربه جنوبه وشمال، خاصة في المرحلة الأولى من حياة الثورة بين سنتي 1954-1956، ومن المناطق التي شملتها العمليات الثورية والانخراط في صفوف جبهة وجيش التحرير الوطني وادي سوف، ولذلك سوف أتحدث لسيادتكم في موضوع عنوانه: محطات من مساهمة وادي سوف في الثورة التحريرية 1954-1962.
مرحلة الإعداد للثورة التحريرية
مثلت المناطق الحدودية مراكز عبور هامة للتجارة بمختلف أنواعها، فانتشرت بها المراكز التجارية المنشطة لتاجرة القوافل العابرة للصحراء شرقا وغربا وجنوبا، ومن بين المواد المتاجر بها السلاح .
وبإنشاء المنظمة السرية – الشبه عسكرية- عقب مؤتمر حزب الشعب في فيفري1947م، والذي نتج عنه إعادة هيكلة الحزب من خلال الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية –MTLD – و حزب الشعب الجزائري – PPA – والمنظمة الخاصة – L’OS -.
من حينها شرع المشرفون على المنظمة القيام بالاتصال بالمناضلين الوطنيين في عديد الجهات لتوفير السلاح إعدادا لتنفيذ علميات ضد الأهداف الفرنسية، ومن تلك الجهات جهة وادي سوف لميزات عدة لها منها أنها منطقة حدودية مع كل من تونس وليبيا اللتان شهدتا العديد من مجريات الحرب العالمية الثانية بين المحور والحلفاء، فهذا الشريط الحدودي سمح لأهل سوف بنسج علاقات تجارية واجتماعية مع العديد من الحواضر بكلا البليدين، زيادة على خبرة أهلها بالصحراء ومسالكها، مما سمح لقيادة المنظمة الخاصة استثمار ذلك في عملية الإعداد والتموين بالسلاح حسب الإمكانيات والظروف المتاحة.
ولذلك فقد ساهمت الصحراء الجنوبية الشرقية بفاعلية في تمويل المنظمة السرية لحزب الشعب بالأسلحة من ” وادي سوف ” عبر ” بسكرة ” إلى “منطقة الأوراس” في نهاية المطاف، ولم تكن مراكز السلاح الداخلية والخارجية خافية عن المسؤول الأول للتنظيم – محمد بلوزداد – لأنه تعرف عن منطقة وادي سوف منذ كان رئيسا لتنظيم حزب الشعب في الشرق الجزائري بقسنطينة 1945-1946م، فتوطدت علاقته مع السعيد إدريس التاجر بقسنطينة، الذي ساعده في ربط علاقة مع التاجر المناضل أحمد ميلودي بالوادي، وقد رعى تلك الصلات فيما بعد محمد عصامي ببسكرة،وقد ذكر هذا الأخير كيفية الشروع في عملية التسليح قائلا: (( باعتباري مسؤول الولاية الحزبية تلقيت عقب تشكيل خلايا المنظمة الخاصة بناحيتنا أمرا من الأخ سي محمد بلوزداد المسؤول الوطني للمنظمة الخاصة يقضي بضرورة البحث عن السلاح وشرائه وخاصة بعد أن علم بتوفر السلاح وبكميات كبيرة بناحية وادي سوف القريبة من الحدود الليبية التونسية، وهو من مخلفات الحرب العالمية الثانية وهكذا إذن وبناء على تعليمات الأخ محمد بلوزداد تلقيت خلال عام 1947 الدفعة الأولى من الأموال تقدر بـ: 300 ألف فرنك قديم عن طريق الأخ سي ” أحمد محساس” الذي تولى المهمة نيابة عن الأخ سي محمد بلوزداد الذي كان مريضا آنذاك، وقمت إثر استلامي المبلغ المشار إليه مباشرة بالتنقل إلى ناحية وادي سوف على أساس أنني في مهمة للإشراف على عقد اجتماع عادي للمناضلين في حين كان الهدف الأول والأساس لهذه الجولة هو البحث عن السلاح، وفي هذا النطاق تقابلت مع بعض المناضلين وفي مقدمتهم الأخ أحمد ميلودي فحدثته عن جوهر مهمتي هذه فقام بإنجازها وهذا بمشاركة الإخوة ” ميهي محمد بلحاج” و”بشير بن موسى “و”عبد القادر العمودي” إذ بعد فترة تمكنوا من شراء كمية من السلاح بأساليب مختلفة قدر عددها بـ 33 بندقية فردية نصف آلية من نوع ستاتي ايطالي وقد تم نقلها بعد ذلك إلى ناحية بسكرة ))ومثلت هذه المهمة العملية الأولى للتسليح.
وتمت عملية التوصيل من خلال إرسلها في حافلة ” ديقليون” – أحد المعمرين – بعنوان سلعة تجارية مرسلة إلى السيد ” زرقوني أحمد” كانت على شكل 25 قطعة في صندوق ثمانية منها ملفوفة في حصير، وقد تمكن محمد بلوزداد من زيارة مدينة الوادي، رفقة أحمد ميلودي لمراقبة التنظيم الحزبي والبحث عن السلاح في ذلك الوقت المبكر من سنة 1946، وتطلبت الشؤون التنظيمية قدوم مسؤولي التنظيم في المنظمة إلى الوادي ومنهم العربي بن مهيدي ومحمد بوضياف ، ومصطفى بن بولعيد، من أجل تنظيم ورعاية شبكة جلب الأسلحة من الخارج، وكانت التكاليف المالية لتلك العمليات تتسم بالضخامة، فالمبلغ الأول الذي تسلمه محمد عصامي سنة 1947 عن طريق أحمد محساس على دفعتين، كان في حدود مليوني فرنك، وتواصلت عملية الشراء بدفع حسين آيت أحمد أواخر 1948 كل ميزانية المنظمة لسي العربي في بسكرة وبلغت نصف مليون فرنك،ومن أجل إتمام هذه المهمة وتواصل عمليات جلب السلاح سافر محمد بلحاج مرفوقا بالصادق انتونة إلى ليبيا عبر تونس أوائل سنة 1948 وبقيا مدة ثلاثة أشهر يجمعان من السكان الليبيين السلاح الذي كان موجودا حينذاك من مخلفات الحرب العالمية الثانية، ورجعا مصحوبين بعدد 103 بندقية وكميات هائلة من الذخيرة محملة على ظهور الجمال عبر العرق الشرقي وتم تخزينها بكل من مدينة الوادي وقرية الرقيبة.
وفي شتاء 1950 استدعى عصامي محمد الأخ محمد الصغير بالعيد من دوار توماس الكائن بين زريبة الوادي وزريبة حامد وتحدث إليه في شأن السلاح المدخر بالوادي وكيفية وصوله ونقله من وادي سوف عن طريق القوافل ، وتم ذلك بإرسال 10 من الإبل محملة بالشعير إلى الوادي وتعود محملة بالسلاح، وفعلا كانت العملية إذ وصلت الإبل وبيع الشعير بالوادي من طرف ميلودي أحمد بمساعدة محمد بالحاج والبشير بن موسى وبعد ذلك حملوا السلاح على هذه الإبل وانطلقت به القافلة ومعها العمودي عبد القادر والبشير بن موسى ومحمد بالحاج والدليل صاحب الإبل فوصلوا بعد ثلاثة أيام إلى زريبة حامد وبقي هناك إلى أن تم نقله إلى الأوراس، ومن أجل نقله إلى الأوراس التقى كل من محمد عصامي ومصطفى بن بولعيد وكانت كلمة السر هي تقسم ورقة نقدية ذات 20 فرنك آنذاك إلى نصفين نصف بقي عند صاحب السلاح بالزريبة والنصف الآخر يستظهر به بن بولعيد عند تسلم السلاح لنقله إلى الأوراس، إلا أن مصطفى بن بولعيد أرسل شخصا نائبا عنه يدعى “مصطفى تيمتلين ” للقيام بهذه العملية وفعلا سارت العملية على النحو المتفق عليه ووصل السلاح إلى كل من عين توتة وكانت هذه العملية تقدر ب250 قطعة بالإضافة إلى الذخيرة.
وهكذا تواصلت العمليات في سرية تامة، وعبر رحلات عدة للقطرين التونسي والليبي، وقام بذلك كل من: محمد ميهي بلحاج، الحاج محمد بالأطرش، بوغزالة البشير بن نصر، ضيف الله مصطفى القطاوي ، محمد بن الصادق، غندير بشير بن محمد العيد، زواري أحمد الصادق، خلال سنوات 1948-1951 وكل الأسلحة لم يعرف خبرها إلا المسؤول المذكور ” ميهي محمد بلحاج” ومعه أيضا : أحمد ميلودي وعبد القادر العمودي وسلطان شوشان ، وعدائكة بلقاسم…(يتبع)
للمقال مصادر ومراجع