المجاهد المولدي بن احميدة..مسيرة ثورية من النضال والكفاح

تقرت تُودِّعُ أحد رموز الثورة التحريرية

المجاهد المولدي بن احميدة..مسيرة ثورية من النضال والكفاح

بقلم: د. رضوان شافو (جامعة الوادي).

تودع الجزائر ومنطقة ووادي ريغ رجلا من رجالتها الافذاذ، وبطلا من ابطالها الشجعان، الراحل المجاهد سي المولدي بن احميدة الذي غادر هذه الحياة عن عمر يناهز 89 سن بعد مرض عضال الم به في السنوات الاخيرة من عمره.

المرحوم المجاهد المولدي بن احميدة من مواليد 1929 بمدينة تقرت، اين تربى  ونشأ وترعرع فيها، ادخله والده الى احد كتاتيب المدينة حيث تعلم وحفظ ما تيسر من القران الكريم، ولم اشتد عوده خلال  الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي، بدا يتشبع بالأفكار الوطنية والاصلاحية عن طريق احتكاكه بالجمعيات ذات الطابع الثقافي والاجتماعي  والتنظيمات السياسية التي ظهرت آنذاك، وفي طار ما كان يعرف وقتها باليقظة الفكرية والسياسية التي مست عقول الشباب، وغرست فيهم المبادئ والقيم الوطنية، وقد تزامن ذلك مع زيارة  بعض القيادات الدينية والإصلاحية ومنهم  الشيخ الإبراهيمي الذي زار تقرت للمرة الأولى سنة 1946م،حيث تقفد مدرسة الفلاح فأعجب بها وأشاد بنشاطها واقترح ضرورة تمرير هذا المشروع إلى المناطق المجاورة، والمرة الثانية كان بمعيد الشيخ خير الدين سنة 1948، هذا بالإضافة الى انضمامه الى فوج البهجة” للكشافة الإسلامية، وهو أول فوج كشفي بتقرت تحت قيادة الشهيد عضامو محمد البحري.

ولعل جمعية الفلاح الثقافية التي تأسست سنة 1946، كانت احد الاسباب القوية  التي دفعت سي المولدي للهجرة نحو جامع الزيتونة لطلب وتحصيل العلم مع مجموعة من رفاقة  وهم (محمد كافي ، علي كافي، محمد بورقعة ، عبد الحميد عقال، احمد جاري،.. )، وبعد حصوله  على شهادة الاهلية من جامع الزيتونة ، رجع مع رفاقه الى تقرت سنة 1954، وكله عزم واصرار على حمل مشعل تحرير الوطن من الاستعمار الفرنسي، ومحاربة الثقافة الفرنسية التي ارتسخت في اذهان الاهالي، فقبل الالتحاق بصفوف الثورة، عمل مدرساً بمدرسة الفلاح للتعليم العربي الحر، والتي كانت تسير على نهج جمعية العلماء المسلمين، وهناك بالمدرسة عمل الى جانب رفاقه الزيتونيين على زرع الافكار الوطنية والخُلقية في التلاميذ، وتنويرهم بما يحيكه الاستعمار الفرنسي ضد الشعب والوطن.

ومع بداية الثورة سنة 1954 كلف الشهيد مصطفى بن بولعيد الشهيد سي الحواس الاتصال بمناطق بسكرة ووادي ريغ، وورقلة وغرداية، من اجل التعبئة الثورية، وتشكيل خلايا مدنية لجبهة التحرير الوطني بهدف تموين الثورة في المناطق الشمالية، ومع بداية 1955، استغل سي المولدي بن احميدة مع رفاقة الزيتونيين مساجد المدينة واتخذوها منابر للتوعية والدعوة إلى جمع الاشتراكات من مال وملبس وغذاء لتموين المجاهدين بالأوراس.

وبعد تشكل الخلايا الثورية بمنطقة تقرت استطاع الراحل المجاهد المولدي بن احميدة ان يَخُطَّ إسمه بحروف من ذهب في سجل التاريخ بمآثر من البطولات والأمجاد، وان يكون احد المجاهدين البوازل الذين تركوا بصماتهم في العديد من الاعمال الفدائية، التي شهد له منها وبها الكثير من رفاقه دربه.

على غرار الاشتراكات وتتبع الخونة في المنطقة، يذكر احد رفاقه المجاهد علي كافي  بان للمرحوم كانت له سيارة خاصة، وقد كلف آنذاك بتنسيق الاتصال مع مختلف الخلايا المدنية لجبهة التحرير الوطني على مستوى وادي ريغ، وفي يوم من الايام كان قادما من مدينة جامعة يحمل في سيارته من مجموعة من الاسلحة والمتفجرات، واذ به في الطريق يتفاجأ بنقطة تفتيش في الطريق للجيش الفرنسي، حيث طلبوا منه التوقف، الا انه لم يتوقف وزاد من سرعة محرك السيارة باتجاه تقرت، وهو ملاحق من طرف سيارات العدو الى ان وصل المدينة واختفى بسيارته بين ازقة ودروب المدينة.

غير ان السلطة الاستعمارية باتت تترصده في كل وقت وحين الى ان القت عليه القبض سنة 1957، وزجت به في سجن تقرت، حيث نال الوانا من التعذيب تذيب الفولاذ وينطق الحجر، وبقي هناك الى غاية الاعلان عن توقيف إطلاق النار في 19 مارس 1962.وبعد الاستقلال عاد المرحوم سي المولدي الى مهنة التعليم، دون ان يترك المحاضرات والندوات التاريخية في المناسبات الوطنية المخلدة لمآثر وتضحيات الشهداء والمجاهدين.

ما عساني ان اقول في هذا الوداع، فلئن غيب الموت روحه الطاهرة، فإن ذكراه ستبقى في القلوب، ونضاله شعلة وطنية في النفوس، وصدق حينما قال الشيخ البشير الابراهيمي: ” يموت العظماء فلا يندثر منهم إلا العنصر الترابي الذي يعود إلى الأرض، وتبقى آثارهم وأعمالهم ومعانيهم الحية في الأرض قوة تحرك، وروابط تجمع، ونور يهدي، وعطر ينفس “.

 

 

عن amara

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

%d مدونون معجبون بهذه: