لا زالت قضية السلع الجزائرية التي منعتها بعض الدول من الدخول إلى أراضيها لعدم مطابقتها للمعايير المعمول بها دوليا في مجال التصدير والإنتاج، تثير الكثير من الجدل ولصدمة لدى الجزائريين، الذين ينتظرون تفسيرات حقيقة من الوزارات المعنية.
وبعد البيان الذي أصدرته وزارة الفلاحة والذي أكدت فيه أن القضية لا تتعلق أبدا بعدم احترام شروط ومعايير الصحة النباتية، قدمت الوزارة مزيدا من التفاصيل حيث ذكرت بأن الأمر يتعلق بعدم احترام شروط سلسلة التبريد.
القضية التي فجرتها جمعية المصدرين وتناقلتها وسائل الإعلام، جاءت كالشعرة في عجين الحكومة التي دأبت على الترويج لسياستها لتشجيع الصادرات خارج المحروقات، وأصبحت عمليات تصدير التمور والطماطم والبطاطا الجزائرية إلى أسواق خارجية بمثابة عربون نجاح السياسة الحكومية الجديدة التي يبدو أنها اصطدمت بالواقع.
وحاولت وزارة الفلاحة تبرئة نفسها من القضية، بعد اتهامات وجهت للقائمين على القطاع بسبب ما وصف بأنه “تقاعس في مراقبة استعمال المبيدات المضادة للحشرات وعدم تحسيس الفلاحين بالمخاطر التي تنجر عن عمليات التطهير بالمبيدات”، حيث ذكر مدير حماية النباتات والمراقبة التقنية بوزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، خالد مومن في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية، الثلاثاء، أن سبب إعادة التمور والبطاطا المصدرة مؤخرا من الجزائر نحو كندا وروسيا، يعود إلى عدم احترام شروط سلسلة التبريد من طرف المتعامل المصدر.
وأكد مومن أن “آخر التحريات تظهر أن متعامل خاص لم يحترم سلسلة التبريد ولم يستعمل حاويات مبردة ما أدى إلى تكاثر الحشرات في التمور المصدرة”، مشيرا إلى أن مصالح وزارة التجارة لم تتلق حتى الآن أي وثيقة رسمية بخصوص المنتجات التي تم إرجاعها من البلد المستورد. وفيما يخص كمية السلع التي تمت إعادتها، قال نفس المسؤول أن الأمر يتعلق بـ 18 طن من التمور صدرت نحو كندا بين سبتمبر وأكتوبر 2017، مضيفا أن إجراءات المراقبة تم إجراؤها قبليا من قبل مخابر وطنية والتي اثبتت أن السلع تحترم شروط ومقاييس الصحة النباتية”.
توقيف 36 عملية تصدير
وأشار مومن أنه منذ نوفمبر الفارط تم توقيف 36 عملية تصدير من قبل مصالح المراقبة الجزائرية لعدم احترام السلع لشروط ومقاييس الصحة النباتية. وتتعلق هذه المنتجات التي تم إرجاعها بالخضروات الطازجة ( بطاطا وطماطم وفلفل ..) للتذكير، كانت وزارة الفلاحة قد أكدت في بيان لها الإثنين أنه خلال سنة 2018 لم يتم استقبال سوى مذكرتين (2) الأولى تخص منتوج العجائن والثانية مشروبات غازية وكلاهما تم تصديرهما نحو كندا التي قررت إرجاع المنتوجين وذلك بسبب عدم معالجة خشب صناديق التعبئة والتغليف وليس لعدم احترامها لمعايير الصحة النباتية.
وكانت وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، قد أكدت في بيان لها صدر الاثنين، أن سبب إعادة المنتجات الفلاحية المصدرة مؤخرا نحو كندا و روسيا لا تتعلق أبدا بعدم احترام شروط و معايير الصحة النباتية، وقالت الوزارة أنها حريصة على متابعة عمليات تصدير المنتجات الفلاحية و تسهر على أن تكون هذه المنتجات تستجيب لكل معايير و شروط الصحة النباتية التي يفرضها البلد المستورد.
وردت الوزارة على انتقادات وجهت لمصالحها بالتقاعس في مراقبة المنتجات الفلاحية، وذكرت بان إطارات مصالح الصحة النباتية تجري تحاليل على عينات على مستوى أرضيات التصدير عبر الولايات المصدرة ليتم بعدها متابعة مسار نقل المنتجات مباشرة إلى نقاط الشحن ( الموانئ و المطارات) حيث يتم استخراج شهادات المطابقة لشروط السلامة الصحية للمنتجات محل التصدير.
و قالت الوزارة أنه في حالة اكتشاف منتجات ” غير مطابقة ” عند وصل السلع إلى لبلد المستورد فان مصالح وزارة الفلاحة ستستقبل بشكل آلي لمذكرة تشير إلى تفاصيل و حيثيات الحالة حيث تتضمن إشارة من مصالح البلد المستقبل على أن ” المنتوج غير مطابق للمعايير المعمول بها ” .
وسطاء وعمليات تصدير عشوائية وراء الفضيحة
وذكرت مصادر عليمة بالملف، أن مصدّري السلع المحجوزة من بطاطا وتمور، هم وسطاء يقومون بشراء هذه السلع والبضائع من الأسواق المحلية ولا علاقة لهم بإنتاجها ولا علم لهم بمحتوياتها ومكوناتها، وذكر رئيس الجمعية الوطنية للمصدّرين الجزائريين، علي باي ناصري، أن الأمر يتعلق بمصدر واحد للتمور من بين 20 مصدر تمور نحو كندا، ومصدر واحد للبطاطا من بين عدد هام لمصدّري البطاطا نحو فرنسا وروسيا.
تبريرات وزارة الفلاحة لم تقنع الخبير الفلاحي عيسى منصور، الذي اعتبر في تصريحه لموقع “tsa عربي” أن الحديث عن عمليات تصدير عشوائية غير مقنع وأضاف قائلا “هل يمكن لتصدير أي مواد أن تكون عشوائية وهي التي تجتاز حدود دولتين على الاقل (الدولة المصدرة و الدولة المستوردة)، فعندما نقول عشوائي معناه يكون مخالف للقانون والتنظيم المعمول به وغير خاضع لأي رقابة فكيف للتصدير أن يكون إذن عشوائيا؟”.
كما أشار عيسى منصور في منشور له عبر صفحته الفاسبوك أن قرار روسيا بإعادة شحنات البطاطا الجزائرية بسبب المبيدات، هي بمثابة ضربة موجعة للمواد الفلاحية الجزائرية التي ستتلقى كل الصعوبات لأجل ولوج الأسواق الخارجية و توضع في خانة المواد غير المرغوب فيها، مبرزا أنه ستكون ضمن المواد التي تخضع للمراقبة القصوى في الموانئ والمطارات الدولية.
وتساءل المتحدث عن حال المواد التي تستهلك محليا والتي لا تخضع لأي تحاليل أو مراقبة، إذا كانت المواد الموجهة للتصدير تحتوي على هذه الجرعات الزائدة وغير المقبولة من المبيدات الحشرية، مشددا “لقد أن الآوان أن يطرح هذا المشكل ودراسته بإمعان لأجل القضاء على هذا الخطر الذي لا تظهر أثاره السلبية مضيفا في ذات الصدد،” من بين متطلبات تحقيق الأمن الغذائي مأمونية الغذاء وهي ضمان صحة الغذاء وسلامته وصلاحيته للاستهلاك البشري.”
تحقيق في القضية والحكومة تبحث عن كبش فداء
وأمام الضجة التي أثارتها القضية، تحرك وزير التجارة سعيد جلاب، ليعلن من بوابة البرلمان، أنه أمر مصالحه الوزارية بجمع كل المعلومات الضرورية حول مسألة “إعادة سلع جزائرية تم تصديرها مؤخرا” ومعرفة تفاصيلها وحيثياتها. وقال الوزير في تصريح للصحافة عقب جلسة استماع لجنة المالية بالمجلس الشعبي الوطني بخصوص تدابير مشروع قانون المالية التكميلي 2018 “بخصوص هذه القضية أمرت مصالح وزارة التجارة لجمع المعلومات الضرورية بما فيها معرفة المصدر وظروف التصدير وكذا أسباب إعادة المنتوجات التي تم تصديره”.
وأوضح الوزير في ذات الإطار أن” عمليات صغيرة لإعادة سلع يمكن أن تحدث “ولكن المشكل المطروح حسبه هو أن المصدر يجب أن يكون ملما بكل الإجراءات التي تتطلبها عملية التصدير بما فيه متطلبات السوق التي يريد التصدير إليها”. وأشار بهذا الشأن أن الاستراتيجية الوطنية للصادرات التي يتم تحضيرها تتضمن مختلف الحلول للمشاكل المتعلقة بمرافقة المصدرين.
وفي محاولة لمنع تكرار القضية مجددا، قام وزير التجارة بتنصيب فريق عمل مكون من إطارات الوزارة وممثلي القطاعات الوزارية والهيئات الأخرى مهمته العمل على تحقيق التنمية المستدامة للصادرات الفلاحية، وأكد وزير التجارة، أمس الثلاثاء بسيدي بلعباس، على ضرورة مرافقة المستثمرين والمتعاملين الاقتصاديين وتشجيعهم على تصدير منتجاتهم
وأعلن جلاب عن عقد اجتماع يوم 2 جويلية المقبل مع مختلف المستثمرين والمتعاملين الاقتصاديين الذين لديهم خبرة في مجال التصدير لدراسة طرق وآليات التي من شأنها بعث الصادرات في قطاع الفلاحة وذلك تجسيدا لتعليمات رئيس الجمهورية التي وجهها للمشاركين في الجلسات الوطنية للفلاحة المنعقدة في 23 أفريل الماضي.
أكرم.س