“الهزيمة يتيمة.. وللنصر ألف أب”.بقلم الكاتب :محمد الصالح بن علي

“الهزيمة يتيمة.. وللنصر ألف أب”

شذرات ثقافية

للكاتب :محمد الصالح بن علي

الهزيمة والنصر كلمتان متلازمتان نطقا متقاربتان حدوثا، لكنهما متباعدتان في الدلالة ومتناقضتان في المعنى، أما الأولى فتعني: الفشل والانكسار والنكسة والانحدار والإخفاق، وعدم تحقيق ما نصبو إليه من أهداف، والثانية تعني: الفوز والنجاح والوصول إلى ما نسعى إليه، وإن كانت الهزيمة يتيمة وطعمها مر ولا يتقبلها أغلب الناس، فإن للنصر ألف أب وطعم لذيذ ونشوة نعجز عن وصفها.
وكلاهما أي الهزيمة والنصر مُعرّض لهما أي إنسان أو أي جماعة أو أي أمة، لكن السؤال الكبير: كيف نتعامل مع الهزيمة حين تكون من نصيبنا؟ وكيف نتعامل مع النصر حين يكون حليفنا؟.
وببساطة شديدة فإن الهزيمة تحدث حين يقع خلل في العوامل والأسباب التي وضعناها اجتهادا لنصل إلى النجاح والنصر، وأكثر الناس كمالا وأرجحهم عقلا من يتقبل الهزيمة ويناقش ظروف وقوعها ويتدراك مسبباتها، ويعتبرها كبوة من الكبوات، وبداية الخطوات التي يخطوها خروجا من دائرة الفشل وصولا إلى أرضية النجاح، ولعل أهم التجارب التي حولت الهزيمة إلى نصر حقيقي بعيدا عن كل شعارات الشحن العاطفي المهيجة والزائفة، ما حدث مع ألمانيا بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، وقراءتها الجيدة لأسباب الهزيمة، وإقرارها بأن حلم التوسع النازي ما هو إلا وهم وأن الحقيقية تستدعي مراجعة الذات بعيدا عن توزيع التهم على الآخرين وتحميلهم ما حدث، أو تعليق الهزيمة على شماعة المؤامرة، بل استثمرت عوامل نجاح الخصم، فكان العقل هو السيد، والعلم هو السلم لتتحقق “المعجزة الألمانية” وتنافس ألمانيا من كان سببا في هزيمتها التي كانت أشبه بالهدية الثمينة، والتي تحولت فيها المحنة إلى منحة، والأمر نفسه حدث مع اليابان.
أما أصغر الناس عقلا وأضعفهم حكمة هو من يرى نفسه مُنزّه عن الخطأ، يتبرأ من الهزيمة ولا يقبلها وليس من أهلها وهو من صنعها، وإن حدثت فهي مؤامرة أحيكت ضده، وأن كل الدنيا عملت من أجل سقوطه، وأن كل الناس شياطين مردة، وهو وحده الملك البر الطاهر النقي، وفي المقابل تجده أسرع الناس إلى اللؤم وتبني نصر الغير الذي لم يصنعه ولم يعمل له، تجده أسرع الناس لقطف التفاح من شجرة التفاح التي لم يغرسها ولم يسقها ولم يرعاها.
وإن كان كل فشل يبحث عن تبرير، وكل فاشل يبحث عن شماعة، فإن للنصر طعم لذيذ لا يتذوقه إلا المنتصرين حقا، الذين عملوا واجتهدوا لتوفير كل أسباب النصر، فكان النصر حليفهم وتجسيده على أرض الواقع صناعتهم، فما يزيدهم ذلك إلا ثقة في النفس، وعلوا في الهمة، وكمالا في البصيرة، ورجاحة في العقل، ولذلك نجدهم أكثر الناس اعترافا بفضل من ساعدوا على تحقيق النصر، واستثمارهم وتحضيرهم لصناعة النصر القادم، لأن النفوس الراقية تطمح للوقوف على القمم العالية وتعمل على أن تثبت في هذه القمم، أما النفوس الواهية منشغلة في توزيع التهم ومعايرة الغير وتحميلهم مسؤولية إخفاق لم يكونوا طرفا فيه، لكن هيهات فمن لم يستطع أن يصنع نصرا بنفسه، لن يستطع أن يقنع الناس بأنه صانع نصر غيره، لأن الناس يدركون جيدا أن “الهزيمة يتيمة.. وللنصر ألف أب”.

عن amara

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

%d مدونون معجبون بهذه: