كما هو واضح فالأمة الإسلامية اليوم تعيش أسوأ أحوالها ، لكونها تعاني الكثير من الأمراض التي جعلتها في ذيل ترتيب أمم العالم ، وفي مقدمتها الفقر والجهل والتخلف والخلافات القُطرية والفتن الطائفية والمذهبية ، وتوغل الاحتلال الصهيوني الذي ابتلع فلسطين ووضع يده على المقدّسات ، وانحياز أمريكا والقوى الكبرى إليه ، وبالمقابل فبدل من أن يجتهد فقهاء الأمة ومشايخها الاجلاء ، ويساهموا في إنقاذها وانتشالها من براثن التخلف والفوضى والفتن ، طبعا (بلا مزية منهم) لكونه أحد أبرز واجباتهم الدينية والأخلاقية ، لكن مع الأسف أصبح بعضهم يجتهد بكل جد وتعب في تعميق الانقسام ورسم أسباب الفشل والضعف ، بطرق واضحة أو ملتوية وتصنيفات وتسميات لا فائدة تُرجى منها بل تزيدنا إلا ارتباكا وحيرة .
وهنا أذكر على سبيل المثال ذلك الموضوع المستهلك الذي خرج به الشيخ محمد علي فركوس ،وإن كان لا جديد فيه إلا الإثارة الإعلامية في التكفير والتبديع ، من خلال بعث موضوع قديم بألفاظ جديدة أو قديمة ،عندما جمع ما جمع وفي فسطاط واحد من الأشاعرة إلى الصوفية والإخوان ، وألحقهم بالشيعة والخوارج ومن تصفهم السلفية بالفرق الضالة ، فعلا وكانت هذه الخطوة الأولى التي سبقت بيان الإفتاء بالتكفير ، فهو يوزع أطباق التهم على ملايين المسلمين في هذا البلد ، بإدعاء أن الأشاعرة والصوفية ، والإخوان هم من أهل الأهواء وبالتالي لا ينتسبون إلى أهل السنة ، وعليه فالسؤال واضح ماذا يضر الشيخ فركوس لو احترم حق كل فرقة من الفرق الإسلامية ، في الاختلاف والتمايز وغلب لغة التعايش ومنطق لكم دينكم ولي دين ، وترك أمر الجميع إلى الله فهو الواحد العالم بما في الصدور.
فيما نقل تاريخيا فالسجال الذي دار بين ابن تيمية وبعض الأصوليين الأشاعرة ، كان على مستوى عال من العلم واحترام العقل ، ولم يروى عن أحد منهم كفر آخر ، إلا لمن جاء بابتداع مضاف إلى الدين ، فما هي يا ترى مآخذ سلفية آخر الزمن على مخالفيهم ، حسب ما ورد في بنان شيخنا الفاضل أبو عبد المعز ؟ ، وهم يعلمون بأن الأصوليين الأشاعرة لم يبتدعوا للمسلمين دينا جديدا ، بل اجتهدوا في بيان أصول التوحيد الصرف ، فكان لهم ما يكون للمجتهد أصابوا وأخطأوا مثلما أصاب غيرهم وأخطأ ، وأيضا ما فعله الإخوان في حقل السياسة فالاجتهادات لا تخرج من الملة ، وكذلك فعل الصوفية فقد سمعنا عنهم قادة عظاما قادوا المسلمين في معارك أعلت راية الإسلام ، من العز بن عبد السلام في وجه التتار ، إلى الأمير عبد القادر الحسني الجزائري مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة التي ينعم بخيرها فركوس وجماعته ، وما تلك الأسماء من قادة وأتباع الطرق الصوفية المختلفة ، إلا أسماء في سماء الجهاد منسوبة إلى الطريقة الصوفية والزوايا ، قلاع حفظ القرآن ومتون اللغة والفقه والتربية وتعلم مكارم الأخلاق.
وصفوة الكلام هو الدعوة إلى مواصلة النأي بالنفس عن كل هاته التصنيفات المقسمة لصفوف الأمة الواحدة لأننا مسلمون وكفى ، وبسط معاني ولغة الحوار الذي يعد أحد عوامل تحقيق السِلم الاجتماعي والتعايش السلمي ، فبالحوار نعزز نسيج العلاقات بين أفراد المجتمع ، وبالحوار تشاع روح الطّمأنينة بين مختلف الأطياف ، ويكون التفاهم والتسامح بين الأفراد ، وتقلص مسافات التباعد بين مختلف التيارات الفكرية ، وهذا هو المبتغئ أي المساهمة في تحقيق جانب من السلم والتسالم في المجتمع ، يفتح الله إخواني..!!