صناعة الغد
بقلم : بشير مصيطفى وزير سابق.
أجمع المتحدثون في المؤتمر الدولي حول دور التنمية المستديمة في مواجهة التشدد – الذي اختتمت أعماله الثلاثاء الماضي بولاية ورقلة ونظمته مديرية الشؤون الدينية والأوقاف – بأن الوقت قد حان للانتقال من أسلوب مواجهة التشدد الديني – وغيره – بالأفكار اى معالجته بالمنظومات وعلى رأس هذه المنظومات المنظومتان الاقتصادية والاجتماعية . توجه متطور وجديد في التعامل مع ظاهرة لاتزال تتوسع بسرعة لأنه يحمل أسلوب المعالجة بالمعرفة والاستشراف ويتيح لواضعي السياسات في العالمين العربي والاسلامي فرصة تحقيق مستوى أعلى من الاستقرار لشعوب وأجيال المنطقة .
محاربة الفقر
الفقر ظاهرة ملازمة للتهميش الاجتماعي ثم النزوع للانتقام والهروب من الواقع والجغرافيا بحثا عن فرص لمستقبل أفضل . ولهذا عندما نقارن بين أرقام الفقر بين الدول نجد ترابطا قويا ومباشرا بين الوضع الاقتصادي للشعوب من حيث نصيب الفرد من التنمية من جهة وترتيب الدولة على سلم التشدد والانعزال الاجتماعي من جهة ثانية .
وهكذا ، يبلغ متوسط الفقر العالمي حاليا الـ 10 بالمائة ، وفي ألمانيا 13 بالمائة وفي الاتحاد الأوربي 17 بالمائة وفي دول العالم الاسلامي 20 بالمائة وفي الدول العربية 25 بالمائة ولكن الرقم في شمال أوربا يتجه نحو الصفر بالمائة . وبنفس الاتجاه تتحدد مناطق التوتر والتشدد الديني حيث يبلغ التطرف أعلى منسوب بين الدول العربية وآسيا وافريقيا وهي نفسها مناطق حزام الفقر في العالم.
ومن هنا كان لابد من تحليل جديد لظاهرة التشدد في العالم مبني على معطيات أكثر واقعية تربط بين النتائج والمسببات . وفي موضوع التنمية المستديمة كان لا بد من استشراف أسواق العمل وفرص العيش الكريم في العالمين العربي والاسلامي كمقدمة لتصميم خطط النمو المبني عى سقف يساوي ثلاث مرات سقف الزيادة في عدد السكان .
زيادة السكان
يزيد السكان في العالمين العربي والاسلامي بنسبة متقدمة عالميا تلامس الـ 2.5 بالمائة وفي الجزائر تراجعت النسبة الى 1.9 بالمائة بسبب تراجع المعدل السنوي لحالات الزواج لأسباب كثيرة – ليس هذا مجال تعدادها – ويعني ذلك من وجهة نظر التنمية المستديمة رفع عتبة النمو الاقتصادي الى 7.5 بالمائة كمتوسط قومي والى 6 بالمائة كمتوسط وطني حتى نسمح بتلبية الطب الداخلي للسكان وتحقيق عتبة العيش الكريم ( الرفاه ) للمدى البعيد .
ومع النمو الاقتصادي المادي يحتاج الشباب في منطقتنا العربية والاسلامية الى تثمين الموارد وتوجيه منظومة التفكير وتحقيق الاستقرار والمشاركة السياسية على أوسع نطاق لأنها البوابات المفضلة لتحسس المواطنة والاعتبار بين أفراد جيل مرتبط بالعولمة الفكرية وجاهز تماما للاستيراد المبني على الأفكار .
خارطة طريق
يمكن تطوير خارطة طريق مدروسة للوفاء بالتزامات الحكومات نحو الشباب بضبط معادلة التشدد عن طريق تحليل جميع العوامل المتحكمة فيها . ومن ثمة مواجهة تلك العوامل بمنظومة متكاملة لأدوات التدخل تبدأ بتحقيق شروط العيش الكريم واقتسام فرص التنمية عبر المناطق والمناطق المهمشة وتنتهي عند ضبط المنظومة التربوية لتتخطى عتبة التلقين المعرفي الى توجيه السلوك وتهذيب الأخلاق على أساس ( المواطنة ) .
إنها المنظومة نفسها التي أسس لها الدين الاسلامي منذ 15 قرنا عندما وضع ( الزكاة ) ضمن أركان الاسلام للتكفل بعدالة التوزيع واستباق الفقر بالحلول الأكثر نجاعة ، تماما كما وضع التعليم بالتربية على سلم أولويات المجتمع (واعلم أنه لا إله الا الله ) ، ووضع ( العمل ) ضمن قيم الحضارة عندما أفرد له 365 كلمة في القرآن الكريم بين مصطلح العمل ومصطلح الصناعة. وتتضمن خارطة الطريق أيضا التأمين الفكري لجيل الشباب المرتبط بشبكات التواصل الاجتماعي بنسبة تصل الى الـ 40 بالمائة من عدد السكان والى 58 بالمائة من عدد البالغين في الجزائر وحدها . تأمين يعد للمستقبل ويوفر للأمة الطريق الأقصر لمواجهة التشدد في المستقبل .