أصبح أدب الطفل العربي بجناحين أحدهما معطوب لا يستطيع التحليق عالياً. لأننا في البدء تنازلنا عن لغتنا الأم

  • حوار : ق/ث

تشارك الكاتبة الكويتية فاطمة شعبان إلى الجزائر، في ملتقى “الإتحاف الأدبي” ببسكرة، المخصصة دورته –هذه السنة- لأدب الطفل.. فاطمة شعبان أديبة وكاتبة أطفال وباحثة في مجال المرأة والطفل من دولة الكويت. ممثلة رابطة الأدباء الكويتيين وعضو جمعية الصحفيين الكويتية، تقدم من خلال هذه المشاركة تجربتها الطويلة في مجال الكتابة للطفل والبحث فيها..

 

  • ما الذي تقولينه عن مشاركتك في “الاتحاف” بالجزائر
  • فاطمة شعبان : أقول، بكل حب، تشرفت بالدعوة الكريمة، وسعدت بها كثيراً وهي بالنسبة لي فرصة رائعة للتعرف على الأدب والثقافة في الجزء الثاني من الوطن العربي، وأعني القارة السمراء التي أتحفتنا ومازالت تتحفنا بين الفينة والفينة بشاعرٍ أو روائي أو كاتب قصة أو ناقد، وهذا الإتحاف الذي سيكون للطفل هذه المرة، هو ما جعلني أقطع المسافات الفاصلة بيننا لأحضر وأطلع على مسيرة أدب الطفل في الجزائر. والذي آمل أن يضيف لأدب الطفل العربي تلك اللبنة التي غفلت عنها المؤسسات الثقافية طول عقودٍ من القرن الماضي وسكت عنها المثقف العربي الذي انشغل بالصراعات الأدبية المسيسة. فما أحوج الطفل العربي لتشكيل بنيته الفكرية والنفسية، وليكن هذا الملتقى هو بوابة ذلك.
  • هل يمكن أن تقدمي للقارئ الجزائري معالم تجربتك الشخصية في الكتابة للطفل؟
    * فاطمة شعبان : لأنني مسكونة بطفولتي، رافقتني ومازالت ترافقني في عقود عمري، فحين أكتب أرى أن طفلي الذي بداخلي هو من يملي علي، يخطفني من مخدعي ومن مطبخي ومن وظيفتي لتكون القصة جاهزة من أول إملاء. كانت بدايتي حين كنت طالبة في المرحلة الابتدائية أقرأ وأقرأ بنهمٍ، ثم أكتب بداخلي قصصاً شتى، حتى إذا خلدت إلى النوم أجد بداخلي من يحادثني وكأنه يهدهدني بأغنية الطفولة لأنام على إيقاعه، ذلك العالم أوجدته لنفسي، ولأن زمني لم يكن يعترف بالكاتب الصغير لذا كنت أسرد حكاياتي على أطفال الحي فنحلق معاً في عالم نرسمه معاً. لم تكن الكتابة تحدني بتصنيفاتها المتعددة فكل ما كان يعنيني أنني أكتب وكفى.. لهذا كنت أكتب القصة، والمسرحية، ومسرح العرائس “الدمى” والأنشودة. وأول عمل تم تنفيذه كان في مجال مسرح الدمى اختارته وزارة التربية لتقديمه للطفل كنشاط تربوي تعليمي كان بعنوان “شنكل يزور طبيب الأسنان”، واستمر يعرض لسنوات يشاهده جيل بعد جيل. وأول قصة نُشرت لي كانت على صفحات مجلة أحمد اللبنانية بعنوان “الفتيات الخمس”. أما في الإطار النظري فإنني قدمت العديد من الدراسات على رأسهم أفلام ديزني وأثرها على ثقافة الطفل.
  • تناولت في بعض دراساتك علاقة الأدب الموجه للطفل بتأثير القنوات الأجنبية والتكنولوجيات، ما الذي خلصت إليه في أبحاثك؟
    * فاطمة شعبان : الخلاصة ذات شجون.. حيث أصبح أدب الطفل العربي بجناحين أحدهما معطوب لا يستطيع التحليق عالياً. لأننا في البدء تنازلنا عن لغتنا الأم، وسمحنا بجعل اللغات الأجنبية كالإنجليزية والفرنسية اللغة الأولى لأجيالنا عبر المدارس الأجنبية، ولأننا تخلينا عن ثقافتنا العربية والإسلامية حتى وصلنا إلى مرحلة فرض الثقافة الغربية علينا حين تحول العلم كله إلى اللغات الأجنبية. الآن في الألفية الجديدة لم يعد بإمكاننا إلا أن نتقبل ما هو واقع لا مفر منه، وهو سيطرة الإعلام الغربي على أجيالنا بقنواته وتقنياته، ولكي نسير في المسار الصحيح علينا تقنين العملية التربوية وذلك بتقديم نتاجنا العربي باللغات التي يتحدثون أجيالنا وعبر التقنية التي يتعاملون معها.. هنا لا أعني أن نتنازل عن مكتسباتنا اللغوية بل أعني أننا بحاجة لإعادة بناء مجتمعاتنا ولن يكون ذلك إلا ببناء الجيل من مرحلة الطفولة بجعلها قاعدة قوية تفهم دينها وثقافتها وعروبتها لتكون مؤهلة في النهوض بأدب الطفل بلغته الأم في المستقبل القريب.
  • على عكس النثر، يبدو أن هناك شحا في الإنتاج الشعري للطفل، كذلك الدراسات النقدية التي تتناول هذا الأدب.. في رأيك، لماذا؟
    * فاطمة شعبان : في اعتقادي في جميع الثقافات النثر يغلب على الشعر، أما النقد لأدب الطفل فهو شبه معدوم في ثقافتنا.. فلو كان لدينا مدرسة نقدية لأدب الطفل لما وجدنا كل من هب ودب كتب للطفل وسمى نفسه كاتباً للطفل، وأجرت القنوات الفضائية معه لقاءات يتحدث فيها عن أدب الطفل! نحن لدينا أنصاف الكتاب، بحاجة للتوجيه والنقد ليصبحوا أمناء على ثقافة الطفل. أما سبب قلة الإنتاج الشعري للطفل ففي رأيي المتواضع أن الشعر العربي كان مسجوناً في سجن القافية، وشعر القافية أو المقفى كما يروق للبعض تسميته ليس من ثقافة أجيال القرن الواحد والعشرين، شعر القافية بحاجة للغة قوية ومصطلحات لم تعد مفهومة للكبير فكيف بالطفل؟ هناك معاناة قد لا يلتفت إليها عامة الناس إلا أنني من خلال بحثي وجدت أننا نعاني من أزمة العامية والفصحى، فالعامية تغلب على الفصحى لذا أصبحت أناشيدنا الطفولية تتجه للهجات العامية.
  • كيف يوازن كاتب أدب الطفل بين الخيال والواقع، الذين غالبا ما يتماهى أحدهما في الآخر لدى الطفل؟ ألا يخلق لديه مشكلة في التعاطي مع الواقع (الخشن أحيانا) بعد قصة (هي غالبا عالية الجرعة من المثالية والجمال)؟
    * فاطمة شعبان : في نظري التوازن بين الخيال والواقع خاضع لموضوع القصة، فهناك قصص لا تحتمل إلا جرعة بسيطة من الخيال كالقصص التاريخية مثلاً، فلا نستطيع تغير النص التاريخي بل نحاول تقديمه للطفل بأسلوب تذكر الماضي أو عبر آلة الزمن أو رحلة على بساطٍ سحري وزيارة موقع القصة، وهناك قصص تحتمل جرعات عالية من الخيال كالقصص العلمية، أو قصص الحيوانات أو قصص تربوية على السنة الحيوانات. كما أن الخيال هو الذي يُلبس القصة ثوب المتعة، فما قيمة قصة تفتقر إلى المتعة، القراءة للطفل هي المتعة ثم المتعة ثم المتعة، لأننا نبني صحة الطفل النفسية فيجب أن يستمتع بالقراءة وهي الفائدة المرجوة. نعم يتطلب الأمر من الكاتب أن يكون ملماً بالمرحلة العمرية للطفل ليحدد جرعة الخيال التي تناسبه، ونوع الخيال وهنا أوجه رجاء لكاتب الطفل ألا ينجرف خلف عوالم الخيال المفرطة التي قد تضر الطفل.
  • هل ترين أن الروايات المكتوبة للطفل ظاهرة صحية؟ أم هي خطوة تفوق مقدراته القرائية؟
    * فاطمة شعبان : كما نعلم أن هناك تقسيمات لمراحل الطفولة، ولكل فئة عمرية أسلوب كتابة، وكتابة الرواية لطفل مرحلة الطفولة المتأخرة ليس فعلا جديدا، ولت ظاهر.فالرواية موجودة منذ السبعينيات من القرن الماضي، فمن منا لم يسمع عن “المغامرون الخمسة” التي بدأ كتابتها الكاتب المصري محمود سالم عام 1973م، وإن كانت في إطار مغامرة بوليسية إلا أنها مليئة بالمفارقات الطفولية لطفل مرحلة المراهقة، كما أنها كانت مفعمة بالخيال الجميل، وبعدها ظهرت روايات يعقوب الشاروني، وهي مجموعة من العناوين منها “سر الاختفاء العجيب”، 1981، “مفاجأة الحفل الأخير”، 1983، وغيرها من الروايات التي تسمى بروايات الناشئة.

عن ahmed

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

%d مدونون معجبون بهذه: