المجاهد الثائر… محمد الشريف بن شبيرة قائد ثورة 1849 م

يعتبر المجاهد الثائر محمد الشريف محمد بن شبيرة علما ورمزا من رموز الثورة الجزائرية في مدينة بوسعادة في بداية القرن 19 م، ولعل التكلم عن حقبته ومآثره وانجازاته الثورية لا يكتمل إلا بمعرفة الظروف والأحداث التي سبقت بزوغ اسمه واهم الشخصيات التي سطرت قبله طريق المقاومات المجيدة.

فقد تواتر في المنطقة على لسان المؤرخين أن الولي” سيدي ثامر” ألقى خطبة في مسجد المدينة المسمي “مسجد النخلة ” بعد تدشينه.

فقال فيها ” إن من يقعد في مدينة بوسعادة أربعين يوما فهو منها ” فهذا ترغيب منه لعمارة المدينة وترحيب لكل من يفد للمدينة من كل الاعراش، فأصبح يسود مجتمع بوسعادي مختلط ومتنوع الأعراق امتهن مختلف المهن كالفلاحة وتربية الماشية والصناعات التقليدية ولعل هذا التنوع افرز عن مناوشات وخلافات بين أفراد الحارات والأحياء إلا أنها في الغالب لا تلبث أن تحل بطرق عقلانية بتدخل أهل الإصلاح، ما دل على وجود نظام أخلاقي هرمي تسلسلي محكم في تسيير شؤون البلدة.

وفي الوقت الذي زال فيه حكم الاتراك في الجزائر ضعفت السلطة وبدأت علامات انهيار الدولة الجزائرية فمرت المنطقة بظروف طبيعية واجتماعية صعبة تتمثل في الأمراض والقحط والجفاف، فجاء عام العرعار سنة 1804 م فأصبح الناس يقتاتون على العرعار، فيفورونه كالكسكس تحت بخار الماء، ثم يخلطونه مع التمر المرفوس “الغرس” فيحصلون بذالك علي مربي مغذي، ثم جاء عام ” التركة ” سنه 1818 م وهو انتشار الوباء فسقطت وفيات كبيرة بين الاهالي.

في هاته الفترة مر ببوسعادة الشيخ السنوسي قادما لها من مدينة مستغانم عام 1824م قاصدا دولة ليبيا الذي أصبح فيما بعد أولاده  أمراء فيها، فاخذ الناس عنه العهد والميثاق كرجل صالح تقي ملم بالدين ورع ذا نظر وصاحب رأي، فهو رجل دين قبل أن يكون رجل دولة زرع فيهم حب الوطن والتكافل واللحمة وكأنه يهيئهم لقادم أسوء لما اشتهر به من استشراف للإحداث ،فبعد ست سنوات مباشرة تعرضت الجزائر لاحتلال فرنسي شمالي لم يلبث كثير في توسيع نطاقه الغاشم بالتوغل في الجنوب الجزائري ،فقوبل بمقاومات شرسة متفرقة من اهالي بوسعادة ،  وكان قد وصل الامير عبد القادر الجزائري آنذاك  إلي المنطقة سنة 1837 م واستقبل كأمير للمؤمنين وبايعه الناس وقاد معركة ضد العدو الفرنسي في منطقة اولاد سيدي ابراهيم ،وكان بجانبه البطل محمد بن عودة من عرش الحملات ،إلا أن أهم المعارك الذي ذكرها المؤرخون  كانت في بداية سنة 1849 م بدخول الاستعمار الفرنسي  مدينة بوسعادة بشكل رسمي فجاءت الجيوش الفرنسية من مدينة المدية عبر زاغر وسيدي عامر وامجدل وتامسة ودرمل، فقام سكان المنطقة بدفاع مستميت ورغم الخسائر الفادحة في الأرواح والأموال إلا أن الأهالي لم يدخروا جهدا في الخروج للمواجهة دفاعا عن أعراضهم وأنفسهم وأموالهم وأراضيهم، وقد تزعم هذه الثورات المقاوم الثائر السيد محمد الشريف بن شبيرة الذي ذكره الثامري في كتابه (رماح الإشراف) ” أنّ محمد الشريف بن شبيرة رحماني الطريقة، أخذها بزاوية علي بن أعمر ، فدراسته وتحصيله المعرفي كان بزاوية طولقة باعتبارها الزاوية الوحيدة القريبة من بوسعادة آنذاك” ، وحسب شهادة الفرنسي كوفي فإنّ محمد بن شبيرة كان بعد انتقال السنوسي إلى المشرق، هو مقدم الطريقة السنوسية وزعيمها الروحي، حيث قال عنه :  “…وقد ترك  الشيخ السنوسي المقدم سي محمّد بن شبيرة الذي حرض اهالي  المدينة عام 1849م علي المقاومة ،ومن جهة أخرى  وبالموازاة كانت هناك حركات مدروسة نسجت خيوطها في شمال غرب طرابلس تحضيرا لحركات تمرد نتج عنها ثورة الزعاطشة …”.

ولقد تفاوت عدد المجاهدين المشاركين ومن مختلف الاعراش، في مقاومة الحملة الفرنسية ضد بوسعادة، بقيادة شيخنا الثائر بحوالي 600 مقاتل من اولاد سيدي ابراهيم واولاد عامر، و300 مقاتل من أولاد ماض والحملات والحوامد، و 200 مقاتل من اولاد محمد بن لمبارك وأولاد أعمارة  وأولاد  بن عزوز ، و 150 مقاتل من أولاد علي بن محمد وأولاد غريب وأولاد فرج،و 60 مقاتل من شرفة الهامل، وأشهر المعارك كانت معركة درمل بمدينة الهامل التي قتل فيها الجنرال” قابوريو” ومعركة زمرة التي قتل فيها القائد الفرنسي “بوبريط ” أما من ناحية الجنوب فان المراقصة وأولاد خالد وأولاد سليمان انظموا إلي ثورة الزعاطشة وكان منظمهم وقائدهم مجاهدنا بن شبيرة كما انظم لهم أولاد احمد بن يحي وأولاد رابح.

إلا أن الآلة الاستدمارية الوحشية قمعت كل أنواع الثورات واحتلت مدينة بوسعادة في 14 نوفمبر 1849 م، بقيادة العقيد ” دوماس’‘وفرضت على الأهالي ضرائب قدرت ب 800 فرنك إضافة إلي مصادرة أملاك السكان ونفائس مدخراتهم مما أدي بالكثير منهم للهجرة لتونس، وتم احتلال حصن ” كافينياك” أو ما يسمي ببرج الساعة حاليا الذي كان له دور المراقب والراصد لكل خطر قادم الي بوسعادة.

وكان من نتائج هذه الثورات أن شردت  أسرة ابن شبيرة وفرّ جميع أفرادها إلى تونس وتبع ذالك سياسة فرنسا التهجيرية للسكان وخلق ظروف معيشية صعبة علي الأهالي ، فجاء عام المسغبة المعبر عنه بعام الشر الأكبر 1867 م ، ثم الزلزلة الكبرى 1885 م ثم الطاعون ”الكوليرا” عام 1893 م تلته المسغبة الثالثة المعبر عنها  بعام الربعة ”ربعة الرغيف” التي تعطي صدقة من طرف المحتل  1898 م، فوقع هلاك الكثير من الأرواح والمواشي، وحسب الرّواية المتواترة فان ما تركه المجاهد محمد الشريف بن شبيرة ،هو زاوية بعين النخلة شرق بلدة العليق، عُرفت منذ القدم باسم الزّاوية السنوسية، ولعلها نفسها التي أشار إليها الأستاذ الدجاني؛ لأنّه لا يوجد ما يثبت وجودها في المناطق التي أقام فيها شيخه السنوسي كالأغواط والجلفة ومسعد، وعلى كل حال فإنّ الزاوية تمّ إتلافها من قبل الاحتلال الفرنسي بعد معركة المطاريح.

إلا أن كل هذا لم يضبط من عزيمة وإرادة سكان المدينة وما حولها علي التكافل والتراحم فيما بينهم، ولم يفرطوا في اخذ العلم من الزوايا التي انتشرت هنا وهناك دفاعا عن الدين وحماية لهم من المستعمر الذي بدا عمليات التنصير الواسعة، فها هي زاوية الهامل الشريفة تلعب الدور الكبير في دحر الجهل ومحاربة الأمية في المنطقة، ولم يزد ضغط الاستعمار وتضييقه علي اهالي المنطقة إلا لحمتا والتفافا علي دينهم وقضيتهم ، وتتجلي قيمة مجاهدنا حاليا في احياء ذكراه سنويا ،كما سميت باسمه مؤسسات تربوية علي غرار ثانوية محمد الشريف بن شبيرة في وسط المدينة، ويحرص الكثير من ابناء المنطقة وبعض الجمعيات الثقافية والمجتمع المدني ومديرية الثقافة علي اقامة ندوات ولقاءات لتعريف به وبمناقبه وبما قدمه لبوسعادة من تاريخ ثوري حافل.

سعودي عامر

عن ahmed

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

%d مدونون معجبون بهذه: