“المقهى الأدبي بمدينة المغير ….مزار ثقافي وشمعة أمل “

• حاوره : مراد غزال

مقهى بحي السوق يسميه أهل المدينة “مقهى عمي صالح ” يشاء القدر أن تتضافر سواعد “شباب المغير تقرأ” وهم عبارة عن مجموعة من الشباب المثقف حمل على كاهله إحياء روح القراءة بمدينة المغير ولأنهم يؤمنون بفكرة الكتاب أنشأوا مكتبة صغيرة تحوي مجموعة من الكتب لتصبح مزارا ثقافيا تتناقح فيه جلسة احتساء الشاي والكتاب. وبهذا تحصلوا قبل أكثر من عام على جائزة السنام الذهبي لأحسن داعم للمطالعة والكتاب   المنظمة من طرف المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية بالوادي  .فهل مازالت هذه الفكرة تضيئ شمس المغير ثقافيا ؟ وبهذا الحوار سيرافقنا المسرحي والموسيقار “عمي صالح مرزوق  ” محتضن هذه المبادرة .

*من هو عمي صالح كما يحب أهل المغير مناداتك؟

* صالح مرزوق : أنا عمك صالح مرزوق .من مواليد 1952 بالمغير .من عائلة بسيطة ترعرعت بصفوف الكشافة الإسلامية ثم شبيبة جبهة التحرير بما أنهما كانا هما الروافد الثقافية الوحيدة والمتنفس الجميل لطفولتنا .أول آلة لمستها أحذت قلبي هي آلة الكمان وتعلمتها على يد الفنانين هبال محمد والسوفي فرحات .وهذا عند التحاقي بفرقة المسرح والموسيقى لجبهة التحرير بمدينتي .ومنذ ذاك الوقت وأنا أمارس الفن ,تتلمذت على يد الكثير من الفنانين بالمغير وواد ريغ عموما ثم انتقلت للعاصمة سنة 1974 ومارست العزف هناك وكنت أرى وأتعلم بشوارعها فنانين كبار أمثال “علي زوبيدي ” و” قروابي” وغيرهم ممن يعشقون الفن ووضعوا لمسة بالثقافة بالوطن .ثم رجعت لمدينتي لنؤسس أول فرقة (فرقة المهدية بقيادة المايسترو “جاب الله”  )  وكنا نحيي حفلات البلدية وبعض الأعراس .

ثم طرقت أبواب الهجرة وتوجهت صوب مدينة “درنة “بليبيا الجريحة الآن للعمل وهناك التحقت بفرقة “الفنون للجيل الأخضر ” كعازف كمان وهناك كسبت الطابع الليبي الجميل على يد الفنان الليبي الكبير  ” سالم بن زبيدة “.وكانت فرقتنا هي من أحيت افتتاح نهر الصناعي العظيم .ثم تنقلت بين عدة بلدن فمن ماليزيا ,الهند باكستان ايطاليا كنت كذالك أمارس هوايتي كعازف كمان هناك .

ثم رجعت للجزائر لأمارس نشاط التجارة كصاحب مقهى ولحد الساعة وأنا  أمارس نفس النشاط .ولم أيأس وأسسنا فرقة الأفراح ثم فرقة تهاني التي نالت شهرة كبيرة لاحتوائها على مجموعة رائعة من الفنانين من واد ريغ  كالأستاذ عبد السلام بن علي وعوادي عبد الكريم وغيرهم من المبدعين .وكذا أرمادة من مبدعي مدينة جامعة كالأستاذ علي قسوم والتي جُلنا بها بحفلات موسيقية حتى خارج الوطن لنظهر فن وموروث واد ريغ .ثم توجهت للمسرح وعملت مع الصديق الإعلامي الرائع غزال نور الدين وحاولنا أن نصنع حركة مسرحية بالمغير .ومجموعة أفلام توعوية قصيرة اجتماعية نوصف بها الواقع المجتمعي مع المخرج والصديق محمد البشير زمالي .

ولكن أول عمل حقيقي عرضته كان بحصة “تووب سكاتش ” على قناة الشروق وكنت من المتأهلين للدور النهائي لولا توقف البرنامج .ثم شاركت بمسلسل “دار البهجة “على نفس القناة مع المخرج جعفر قاسم .وآخر أعمالي كان مسلسل “طوق النار ” الذي عرض على القناة الوطنية وقد مثلت دور ” شيخ القبيلة ” وأنا الآن رغم أنه هناك أعمال عديدة عرضت علي إلا أنني منهك بكتابة كلمات للأغنية المحلية بواد ريغ المهمشة إعلاميا .كما أملك نص مسرحي جاهز للعرض .

*بعد كل هذه المحطات كيف يرى “عمي صالح ” واقع الثقافة بمدينة المغير ؟

* صالح مرزوق :  واقع الثقافة صعب جدا رغم أنه هناك مبادرات فردية نثمنها .وهذا راجع لعدم توفر هياكل مخصصة للثقافة كدار ثقافة وحتى الهياكل الموجودة غير مجهزة بالشكل الكافي كقاعات للمسرح وغيرها .وكذا تهميش المبدعين وعدم الاعتناء بهم .وعدم توفر روافد يمكن أن يسمع المثقف من خلالها صوته كالإذاعة وجريدة محلية والمعهد الموسيقى الذي لم برى النور لحد الساعة رغم المصادقة عليه  .الحديث مؤلم حقا عن واقع الثقافة هنا بمدينة المغير رغم أنها أنجبت “محمد الصالح باوية ” الشاعر الثائر والكثير من الشعراء والكتاب والدكاترة وحتى العلماء كبلقاسم حبة عالم الجزائر 2016 وعبد الرزاق قسوم رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الحالي .

*من هم “المغير تقرأ” ؟

* صالح مرزوق : هم مجموعة من الشباب المثقف ,بدأت كمبادرة على الفيس بوك لإظهار أقلام مدينة المغير .وتشجيع حب الكتاب والمطالعة .يعملون بصمت تضم بين صفوفها  الكاتب والإعلامية والأستاذ وحتى المواطن البسيط يعملون من أجل أحياء روح خفتت منذ زمن هي روح المثقف الحقيقي .لهم عدت مشاريع كإقامة أمسيات شعرية وجمع إصدارات أقلام المغير وعرضها بمكتبة المطالعة العمومية بالمغير .وهم الآن يتبنون مبادرة رائعة هي إصدار مجموعة قصصية مشتركة لبراعم المغير ستصدر قريبا  ….وهم بعمل دؤوب وأنا وبهذا السن جندي من جنود فكرتهم .

*قيم لنا مبادرة ” المغير تقرا ” الحائزة على جائزة السنام الذهبي للمطالعة والكتاب  سنة 2016 ؟

* صالح مرزوق : بصراحة هي فكرة رائدة بولاية الوادي وأستطاع الشباب أن يزرعوا بذرة جميلة بهذا المقهى .وأشكر المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية الوادي لمنحهم وسام أحسن داعم للمطالعة والكتاب سنة 2016 فهذا يعتبر مفخرة لمدينة المغير بحق .وأن تقرب الكتاب من المواطن شيء رائع وذو دلالة عميقة على فهم الشباب لمفردات المرحلة ومواكبتهم للواقع .وأكون جد سعيد عندما أقدم كأس الشاي لزبون وأجده منهمكا بتقليب صفحات كتابا ما .وأشعر بأن روح المثقف تسكن المقهى وتنتشي روحي أنا أيضا.لكن لا أخفيك سرا المبادرة ما زالت لم تؤتي أُكلها بعد وهذا راجع للبعد عن الكتاب ليس بالمغير فقط بل بالعالم العربي إجمالا .ولتفعيل هذا المزار يجب تضافر كل جهود المثقفين لنجعل منه مكانا يشع ثقافة وملتقى للفنانين والمثقفين تأسيا بمقاهي القاهرة والدول الأخرى .ولما لا تقام به صالونات أدبية وأمسيات شعرية وموسيقية دورية .

*ما الشيء  الذي يؤرق “عمي صالح ” ؟

* صالح مرزوق : سؤال صعب بني ولكن سأجيبك .يؤرقني تهميش المثقف لأن معظم المثقفين ينتمون لزمرة الفقراء والعاديين من البشر .ويزعجني النظرة السطحية للثقافة وكأنها شيء كمالي بهاته الحياة في حين أن مقومات بناء أي حضارة يجب أن يقودها المثقفين .ويحزنني الواقع الرديء الذي فرخ لنا ثقافة جوفاء لا تخدم الواقع بل تضع تبرجا ساذجا فقط على يومياتنا .يزعجني واقع المرأة المثقفة خصوصا بمناطقنا التي مازلت تضع قيودا لعينة وتنظر للمثقفة بعين الريبة .يؤرقني واقع مدينتي بمجال الثقافة وعدم المرافقة الحقيقية للمثقفين والمبدعين ومحاولة لي عنق الثقافة من طرف مسئولين لا ينتمون للثقافة .أخاف من هجرة مثقفي مدينتي بحثا عن فرص أفضل ,رغم أن هذا من حقهم ولكن سينتج عنه تصحير للواقع الثقافي هنا .

*بماذا يحلم “عمي صالح ” ؟

* صالح مرزوق : أحلم بجيل بعيد عن السطحية ,يحافظ على موروثه الثقافي الكبير كالخيمة والنخلة والموروث الموسيقى الرهيب بالمغير وواد ريغ عموما  .أحلم بدار ثقافة تجمع المثقفين وتدعمهم وبمسرح أفجر به طاقاتي المسرحية ويتعلم به الشباب أبو الفنون .وأحلم بالبدأ بالمعهد الموسيقي الموعود .أحلم بجيل يتبنى ثقافة الكتاب خير جليس في الأنام .أحلم بمدينتي أفضل وأرقى

*ماذا يقول عمي صالح لجريدة الجديد ؟

* صالح مرزوق : أنا متتبع وفي لجريدتكم المحترمة وأثمن مقالاتها وتشجيعكم للمبدعين وخصوصا أنني أشعر أنني أقرا لمادة  إعلامية ومكسب ثمين بولايتي .شكرا لكم .